in

مغالطة الخطأ المقولي

مغالطة الخطأ المقولي

تُعد مفاهيم الفئات والتصنيفات أساسية في فهم تنظيم الواقع في أي مجال، حيث تُسمى بالمقولات. خطأ المقولة يحدث عندما يتم تصنيف شيء بشكل خاطئ، مما يعني عرضه أو وصفه كأنه ينتمي إلى فئة غير التي يجب أن يُصنف فيها.

الوقوع في خطأ مقولي يعني أنك تجمع بين أشياء من فئات مختلفة بطريقة غير منطقية. مثل أن تقول: أحجار متحدثة، شموس قابلة للمس، أو أفكار تشغل حيزاً مادياً في الفضاء. هذه الأخطاء تنطوي على نوع من التسويات الخاطئة للخصائص، مما يمكن أن نعتبره، بمعنى ما، خطأ مقولي. بشكل عام، يُعتبر هذا النوع من الأخطاء في الفلسفة العميقة كأحد أشد أنواع الأخطاء في التصنيف.

مثلاً، إذا قلت “هذه الذاكرة لونها بنفسجي”، فأنت تعزو لجسم ما خاصية من المستحيل أن يمتلكها. ولكن، إذا قلت “غالبية الأمريكيين سود” فهذا خطأ وإن لم يكن خطأ مقولي، لأن الصدق في هذه الحالة هو مجرد صدفة ولا يتضمن مستحيلًا منطقيًا. يتطلب كشف خطأ مقولي تحليلًا دقيقًا للموضوع للتأكد من أن الصفة المعزوة تتعارض مع جوهر الشيء من الناحية المنطقية.

الأخطاء المقولية تعبر عن سوء فهم عميق لطبيعة الأشياء التي يتم الحديث عنها، فهي لا تقتصر على الأخطاء البسيطة التي تحدث عندما نعزو لشيء خاصية قد يمكنه الحصول عليها بشكل معقول، بل هي تمتد لتشمل أخطاء تنسب للأشياء خصائص من المستحيل منطقيًا أن تتصف بها في أي ظرف من الظروف.

الخطأ الديكارتي

جلبرت رايل كان من أوائل من ناقش مفهوم “الخطأ المقولي”، الذي استخدمه لتوضيح الخلط الشائع في نظريات ديكارت عن العقل وتبيان الأخطاء في فلسفة العقل. ديكارت كان ينظر إلى العقل ككيان مستقل مثل الجسد وتساءل عن طبيعة تفاعلهما.

رايل اعتبر أن مفهوم ديكارت يُشيئ العقل، مما يُخلق أخطاء فلسفية؛ فالعقل ليس جوهرًا ملموسًا ولا ينبغي معاملته ككيان فردي. بل يجب فهم العقل كمجموعة من الاستعدادات والقدرات وليس كشيء مستقل.

استخدم رايل أمثلة لإيضاح الخطأ المقولي:

  1. زائر لجامعة أكسفورد يسأل عن “الجامعة” بعد رؤية المباني والمكتبات، ظنًا منه أن الجامعة كيان مستقل عن هذه العناصر. هذا يظهر سوء فهم في تصنيف “الجامعة” ككل عام يشمل هذه العناصر.
  2. طفل يشاهد عرضًا عسكريًا ويسأل عن ظهور “الفرقة” بعد رؤية الكتائب والطائرات، غير مدرك أن الفرقة تُعبّر عن كل هذه العناصر مجتمعة.
  3. شخص يشاهد مباراة كريكت ويتساءل عن من سيجسد “روح الفريق” بعد رؤية اللاعبين، معتبرًا أن روح الفريق كيان مستقل عن الأداء الجماعي.

رايل يقترح معيارًا للكشف عن الأخطاء المقولية: فحص ما إذا كان استبدال تعبير ما بآخر في جملة يؤدي إلى عدم المعقولية. ديكارت بمفهومه للثنائية الجوهرية بين العقل والجسم وقع في هذا الخطأ المقولي، مُعامِلاً العقل كجسم مادي له تفاعلات مادية، ما يخلق سوء فهم عميق لطبيعة العقل. رايل يرفض هذه الثنائية وينظر إلى العقل كمصطلح عام لوصف نماذج السلوك والقدرات الإنسانية بدلاً من كيان مستقل.

خطأ مقولي في علم المنهج

بعد أن قدم بوبر نظريته بأن الملاحظات العلمية “مشحونة بالنظريات”، مشيرًا إلى أنها تتأثر بشكل كبير بالفرضيات النظرية وليست موضوعية تمامًا، أوضح كيف يمكن لهذا الإدراك أن يعزز فهمنا للعلوم. وفقًا لبوبر، يجب أن يتبع العلماء مسارًا من أربع مراحل لتطوير العلم، حيث تكمن الأهمية بالنسبة لنا في المرحلة الثانية: التأكد من تماسك النظرية داخليًا والتحقق من خلوها من التناقضات المنطقية. في هذه المرحلة، يفصل العلماء بين الجوانب النظرية والجوانب التجريبية للنظرية، مميزين بين ما هو نظري بحت وما له تطبيقات عملية. يمكن لهذا التفريق أن يمنع الوقوع في “الأخطاء المقولية”، والتي قد تدفع العالِم لطرح أسئلة غير مناسبة أو البحث عن دلائل في أماكن لا توجد فيها. مثلما فعل ديكارت، الذي اعتبر النفس كجوهر فكري بسيط لا يتجزأ، في حين أنه في أحيان أخرى يصورها كحالة موجودة ضمن الجسد. لقد سلط ديكارت الضوء على الغدة الصنوبرية كمركز للتفاعل بين النفس والجسم، مما يُظهر بحثه في مكان قد لا يكون مناسبًا للإجابة التي كان يسعى لها!

الخطأ المقولي في فهم الفن

قد يعتقد البعض أن الفن مجرد امتداد للحياة، لكن هذا فهم خاطئ. الفن ليس مجرد تجسيد للواقع، بل هو تجربة مستقلة وفريدة تنبع من الإبداع الإنساني، لكنه يظل مختلفًا عن الواقع الذي نعيشه. يمتلك الفن هويته وأسسه التي لا يمكن تفسيرها ببساطة عبر الاعتماد على منطق الحياة اليومية. محاولة تحليل الفن باستخدام معايير الحياة العملية يعد خطأً مفاهيميًا كبيرًا، كما يقول كلايف بِل، فهو كمن يحاول قطع الصخور باستخدام شفرة حلاقة، أو من يستعمل التلسكوب لقراءة صحيفة.

الفن هو كيان ذو طبيعة خاصة، يشبه إلى حد ما عوالم أخرى مثل الرياضيات أو التجارب الروحانية. من الخطأ الشديد محاولة فهم الأعمال الفنية بتطبيق أطرنا العقلية المعتادة. ينبغي فهم العمل الفني على أرضه، بقواعده وشروطه الخاصة. يجب على من يرغب في تقدير معنى الفن أن يتواضع أمامه. أما أولئك الذين يرون الفن أو الفلسفة من منظور فائدتها العملية فقط، فهم لا يستطيعون تقدير القيمة الحقيقية لهذه التجارب. العالم الجمالي بعيد كل البعد عن هموم الحياة اليومية ومشاغلها، فهو مكان لا يطغى فيه ضجيج الوجود المادي، بل يعتبر مجرد صدى لانسجام أعمق وأكثر جوهرية.

الفن والأخلاق

يشكل الفن والأخلاق ثنائية تتقاطع فيها المفاهيم والحدود بشكل يحتاج إلى دقة وفطنة عالية لتوضيح الفروق بينهما. يغوص هذا التقاطع في نقاشات معقدة قد تؤدي إلى جدالات بلا طائل وصراعات لا تنتهي إن لم يتم التعامل معها بحكمة. الفن يعنى بالجماليات، بينما تركز الأخلاق على ما هو صواب أو خطأ. من الضروري فهم أن الفن يُقيّم بناءً على معايير جمالية كالجودة أو السوء، وليس بمعايير أخلاقية كالخير أو الشر. من يخلط بين هذه المعايير يقع في خطأ مفاهيمي خطير. لا يجب أن ندخل الاعتبارات الأخلاقية في تقييم الأعمال الفنية. إن كان لا بد للمنادين بالأخلاق أن يقيّموا، فيجدر بهم أن ينظروا إلى الفن ككيان عام ويحددوا مكانته ضمن المفاهيم الأخلاقية بشكل عام، أما عندما يتعلق الأمر بتقييم الأعمال الفنية بمعاييرها الجمالية فعلى هؤلاء أن يتحفظوا عن إصدار أحكام قيمية خارج إطارها الجمالي.

الفن والصدق

ترتبط الأمانة في الفنون بفهم معقد ودقيق، حيث يعتقد البعض أن الأمانة تعني ببساطة عكس الحقائق بشكل مباشر.

كما أشار أمين نخلة، يبدو أن هناك سوء فهم عام لمعنى الصدق في الفن. بشار بن برد، الذي كان معروفًا ببنيته الجسدية الضخمة، يصور نفسه في أشعاره بأنه ضعيف ونحيف، ما يُظهر أن الفن قد يتضمن تناقضات واضحة مع الواقع الفعلي، ولكن يبقى صادقًا في سياقه الفني. يؤكد البحتري أن الشعر قد يكون مخالفًا للحقيقة ولكنه يظل يحمل صدقه الخاص المتجسد في الجمالية والتأثير العاطفي.

يفهم الخبراء في علم الجماليات أن الفن له حقيقته الخاصة، وهذه الحقيقة ليست بالضرورة حقيقة وقائعية، بل حقيقة تعبر عن تجارب ومشاعر شخصية قد لا تطابق الواقع المادي. يعتبر الخلط بين هذين النوعين من الحقيقة خطأً فادحًا، ويؤدي إلى نقاشات مربكة لأن الطرفين لا يتحدثان عن نفس الشيء. تقدم أمثلة الأدب مثل قصيدة البحتري دليلاً على أن الأخطاء العلمية في الشعر قد لا تؤثر على قيمته الفنية الحقيقية.

الصدق في الفن لا يتعلق بالدقة الواقعية بل بمدى قدرته على عكس الحقائق النفسية والعاطفية. الفن صادق عندما ينجح في تمثيل هذه التجارب بطريقة تحرك المشاعر وتثير التأمل، مثلما قال أرسطو: “يجب أن نقبل الكذب إذا كان يسهم في الجمال الفني.”

بذلك، يتضح أن الصدق الفني مرتبط بصدق التعبير والانطباعات الذاتية أكثر من ارتباطه بالحقائق الموضوعية، مما يجعل الفن وسيلة فريدة لاستكشاف وتقديم الخبرات الإنسانية بأسلوب يختلف كليًا عن المناهج العلمية والفلسفية.

مغالطة التركيب والتقسيم خطأٌ مقولي نموذجي

في النقاش حول أخطاء المنطق التقليدية، تم تسليط الضوء على خطأين شائعين: مغالطة التركيب ومغالطة التقسيم. مغالطة التقسيم تحدث عندما نفترض بشكل خاطئ أن ما يصح على الكل ينطبق بالضرورة على أجزائه. من جهة أخرى، مغالطة التركيب تقع عندما نستنتج أن ما يصح على الأجزاء يجب أن يصح أيضًا على الكل. هذه الانتقالات المنطقية غير صحيحة لأنها تتجاهل الاختلافات في النمط الفكري الذي ينتمي إليه الكل مقارنةً بأجزائه، ولا يمكن توقع التطابق الدائم بين خصائص الأجزاء والكل.

المغالطة الوجدانية خطأ مقولي

أما المغالطة الوجدانية، فهي تعتبر خطأ منطقيا يتمثل في نسبة الخصائص الإنسانية، مثل المشاعر، إلى الأشياء غير الحية كالطبيعة أو الجمادات. على سبيل المثال، قد نصف الأغصان بأنها ترقص أو الأمواج بأنها قاسية. هذا النوع من التعبير يشير إلى محاكاة الطبيعة للسلوك الإنساني بطريقة تُظهر خلطاً في المقولات، مما يؤدي إلى استنتاجات مبنية على أساس غير منطقي ودون دليل موثق.

أمثلة أخرى

  • لنبحث في غرف المنزل كالصالة والنوم والمدخل والمطبخ وحتى الحمام؛ فهل من هذه يُمثل البيت ككل؟
  • أين الطفل أو الأطفال الذين يمثلون متوسط معدل الولادات الإحصائي في هذا المستشفى؟
  • عدد السكان في الصين لا يمكن وصفه باللون البرتقالي، فالأرقام ليست ألوانًا.
  • هنا عدد من دافعي الضرائب، فأين هو ذلك الدافع الضرائبي النموذجي الذي نتحدث عنه؟
  • من يمكنه أن يحلب ثورًا؟
  • “قيصر ليس إلا رقم صامت”، مثال قدمه كارناب لإيضاح فكرة.
  • ما رائحة اللون البنفسجي؟ هل للألوان روائح؟
  • ألمي يشع باللون الأخضر، تعبير مجازي عن مشاعري.
  • هل للأعزب زوجة فعلاً؟
  • أيهما يُعتبر أكبر، المتر أم اللتر؟ وكيف نقارن بين وحدات القياس المختلفة؟
  • هذه الأمثلة تظهر تعقيدات في التفكير المنطقي وتحديات في فهم المفاهيم والمقولات بطريقة مباشرة، مشيرة إلى الحاجة لتقييم كل سياق على حدة.
Avatar for فكر حر

كُتب بواسطة فكر حر

التعليقات

اترك تعليقاً

Avatar for فكر حر

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Loading…

0