لازال الجنس من الموضوعات المقلقة في مجتمعاتنا، ومع ذلك فهو من الحاجات الأساسية في حياة الإنسان، لذلك وضعت الشريعة الاسلامية تصورا صحيحا للتعامل مع هذه الحاجة بمختلف أشكالها وألوانها، بعيدا عن كل رهبانية تكبت الغريزة الجنسية أو انحلال يطلق عنانها بلا حدود، فشرع الإسلام الزواج ورغب فيه، حيث قال عليه الصلاة و السلام:” يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج”. ونهى عن وضع العوائق أمام كل مشروع زواج يقصد منه التعفف، قال عليه السلام:” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه”.
إضافة إلى ذلك أباح الإسلام التعدد في الزواج بشروطه، حتى تحظى كل امرأة أرملة فقدت زوجها ولها أيتام بفرصة الزواج وإشباع رغبتها الجنسية في الحلال.
ولدفع الاحتقان الجنسي عند الصحابة المقاتلين أثناء الغزوات، استشاروا الرسول عليه السلام في الإخصاء، فنهاهم عن ذلك، دفعا للمفاسد وجلبا للمصالح، فاقتضت المصلحة العناية بالجانب الغريزي في الإنسان، حيث رخص لهم في زواج المتعة، لأجل تنفيس الاحتقان الطبيعي، قال جابر بن عبد الله:” كُنَّا نَسْتَمْتِعُ بالقَبْضَةِ مِنَ التَّمْرِ وَالدَّقِيقِ، الأيَّامَ علَى عَهْدِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ، حتَّى نَهَى عنْه عُمَرُ، في شَأْنِ عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ” رواه مسلم في صحيحه، فكان زواج المتعة تشريعا يرفع الحرج عن المسلمين، وبقي العمل به إلى زمن خلافة عمر بن الخطاب الذي اجتهد في منعه، ولا يعقل أن يرخص الرسول، عليه الصلاة والسلام، في حرام أبدا، بل كان ولازال حلالا، لم يحرمه الله في كتابه، ولعل الشباب اليوم في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية أكثر معاناة مما كان عليه المسلمون في الغزوات، فهم أولى بهذه الرخصة، لذلك ما أحوجنا إلى تأطيرها وضبطها حتى تحقق المقصد التشريعي منها.
وقد أجاز العلماء قديما زواج السر أيضا، كما أجازوا اليوم زواج المسيار، لأنه يحقق المقصد الشرعي من الإحصان.
كما تعامل الشرع مع ظاهرة الرق بحكمة، حيث سمح في حدود ضيقة بالتمتع بملك اليمين، حتى يعطي للغريزة الجنسية حقها في الاعتبار رغم فقدان الشخص حريته، قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ”، و قد ذهب المهندس محمد شحرور الى تفسير معقول لملك اليمين ملخصه أنه عقد من العقود الرضائية بين رجل وامراة تنازلت عن بعض حقوق الزوجة حتى تضمن تحقيق نوع من الاسقرار والاشباع الجنسي، و يفاجئنا ما حدث على هامش الصراع في بعض المناطق من فتوى “جهاد النكاح” ، التي يتحدث عن شرورها وآثارها الكارثية مسؤولوا حركة النهضة التونسية، حين كشفوا عن توريط عشرات الفتيات التونسيات بمثل هذا “الجهاد” في سورية، قبل عودتهن، وبعضهن حوامل، إلى تونس، بعد أن تداور عليهن عشرات “المقاتلين والمجاهدين” في دار الحرب!.
وإذا كان المسلم يلقى العنت في ظل الانفلات الأخلاقي السائد اليوم في المجتمع، خصوصا مع سهولة الوصول إلى العالم الرقمي، بكل سيئاته وحسناته، فإن الإسلام أباح أيضا الاستمناء، حيث روي أن الصحابة كانوا يفعلونه في المغازي، فقال ابن حزم في المحلى: “والإباحة المطلقة صحيحة عن الحسن وعن عمرو بن دينار وعن زياد أبي العلاء و عن مجاهد”، كما ورد عن ابن عباس أنه قال:” نكاح الأمة خير منه وهو خير من الزنا”، فهو رخصة أيضا لمن فقد فرصة الزواج المؤبد أو المؤقت، والرجل والمرأة في ذلك سواء، فما أوسع رحمة الله.
أما في الحياة العامة فقد جمع الراغب الأصفهاني في كتابه ‘محاضرات الأدباء’ أغرب الفتاوى الجنسية. ومثل ذلك في ثنايا كتب الفقه مما لا حد فيه ولا عقوبة، كما جاء في المحلى لابن حزم، وفي حاشية الدسوقي، و المبسوط للإمام السرخسي، والمغني لابن قدامة، وغيرها، ونكتفي بذكر إباحة الوطء في الدبر، رغم نفور الفطرة السليمة منه، وخطورته على الصحة، فذهب زيد بن أسلم، و نافع إلى أنّه مباح، و عن ابن عمر روايتان: إحداهما أنّه مباح، و حكى الطحاوي عن حجاج بن أرطاة إباحة ذلك. و عن مالك روايتان، إحداهما أنه حلال، وقال الشافعي أنه لم يثبت في المسألة حديث، و يجوز من باب القياس. وقال ابن قدامة في المغني: ُورويت إباحته عن ابن عمر وزيد بن أسلم ونافع ومالك، وروي عن مالك أنه قال: ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك في أنه حلال. قال الدارقطني: هذا ثابت عن مالك. وقال ابن عبد البر: الرواية عن ابن عمر بهذا المعنى صحيحة معروفة عنه مشهورة. وأخرج ابن راهويه وأبو يعلى وابن جرير والطحاوي في مشكل الآثار و ابن مردويه بسند حسن عن أبي سعيد الخدري أن رجلاً أصاب امرأته في دبرها، فأنكر الناس عليه ذلك، فأنزلت: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ).
و يبقى الأصل هو الإباحة في كل شيء والمنع يحتاج الى دليل. وهكذا نرى سعة الشريعة الإسلامية وحرصها على أن تأخذ الغريزة الجنسية حقها في حياة المسلم في مختلف الظروف.