in

الفرق بين الملحد العربي والملحد الغربي: أسباب الكراهية وعدم تقبل الآخر

الملحد العربي

ربما تَكرّر هذا العنوان في العديد من المقالات والفيديوهات خاصةً، وغالبا ما يكون محتواها هجوما مُشَخصَنا على الملحد العربي وإنقاص قيمته والحط من كرامته مقارنة بالملحد الغربي، واصفين إياه بأنه يسب ويشتم في الإسلام، وبأنه غير أخلاقي مقارنة بالملحد الغربي … وغيرها من الاتهامات المبنية على أسباب سنأتي لذكرها في السطور القادمة.



النظام نظام قهري وغير علماني

أرى من وجهة نظري أن النظام السياسي هو السبب الرئيسي لمشكلة الكراهية التي نلاحظها في العديد من المواطنين خاصة المسلمين تُجاه غير المسلمين، فبلداننا العربية هي بلدان غير علمانية، وتستخدم الدين في السياسة من أجل مصالحها كما أوضحنا في مقال ما هي العلمانية.

فعندما تستخدم الدولة الدين في السياسة، هذا يعني أنها تنبذ بشكل مباشر أو غير مباشر كل الأشخاص الغير منتمين إلى الدين الاسلامي، وتقوم الدولة بقهر هؤلاء المواطنين سواء عن طريق القوانين التي لا تُوافقهم ولا تُوفر لهم الحقوق الإنسانية البسيطة أو عن طريق نبذِهم من قِبل الأغلبية.

يرى العديد من المسلمين (من وجهة نظري) أن كل شخص ينتقد الدولة، خاصة القوانين المرتبطة بالدين الإسلامي، فهو شخص ضد الدين والدولة على حد سواء، وربما لهذا السبب يأكد العديد من الشيوخ والفقهاء على تكفير العلمانيين ونبذهم، فلو أخدنا مثال عن قانون منع الإفطار العلني في العديد من الدول كالعراق والأردن والمغرب، والتي تعاقب كل المفطرين بشهر رمضان بعقوبات سجن وغرامات مالية، ( في المغرب من شهر إلى 6 أشهر)، فلو لاحظنا بشكل عقلاني سواء في هذا القانون أو في الحركات والاحتجاجات التي تقوم على أساس فصل هذا القانون، يتضح لنا بشكل واضح مدى القهر والاظطهاد الذي يعيشه هؤلاء، ولكن علينا أن نفهم أن هؤلاء في الحقيقة ليسوا ضد الدين أو ضد شهر رمضان، بل هم ضد القهر والإكراه لهذا الدين، أي بمعنى آخر، هم ضد الإسلام السياسي وليس ضد الإسلام أو المسلمين.


مشكلة في مفهوم الأخلاق

نعاني من مشكلة عويصة في مفهوم الأخلاق، ويعود السبب الرئيسي طبعا إلى التعليم الذي نتلقاه من هذه الدول المتخلفة، فقد درسونا في المدارس أن غير المسلم هو شخص كافر، وأن الكافر يذهب إلى النار، ثم وصفوا لنا أن كل من يذهب إلى جهنم هو شخص سيء وغير أخلاقي، فربطوا كل شيء وصرنا نفهم أن كل شخص غير مسلم هو شخص غير أخلاقي وسيروح النار على كل حال، وبالتأكيد تحَوّل هذا التعليم وكدا التربية الدينية إلى نبذ وكره كل شخص غير مسلم بما فيهم الملحد العربي.

لم نتعلم في المدارس مفهوم التسامح والحب وتقبل الآخر بمفهومهم الصحيح، فقد علمونا حب الله والرسول، لكنهم لم يعلموننا حب الآخر المختلف عنا، وقد علمونا التسامح مع والدينا، لكنهم لم يعلموننا التسامح مع غير المسلمين، وأعتقد أن للدين دور ولو طفيف في هذه المشكلة، فحتى لو كان الاسلام وسطي معتدل كما في المغرب، إلا أن مشاعر الكراهية والعنف مازالت مختبأة في العديد من العقول، ويمكنها أن تخرج للعلن عن طريق العنف والحقد على كل من يختلف عنا، ونرى هذا بشكل واضح ليس فقط في الاختلاف الديني، وإنما في اختلافات أخرى كالعرق واللغة واللون ..الخ.

مفهوم الأخلاق في الحقيقة لا يرتبط بأي دين من الأديان، ولا بأي سياسة من السياسات، فأخلاق كالتسامح وتقبل الآخر والحب، تنبع في الأساس من المستوى الجيد للتعليم والتربية لا من بعض الأفكار الدينية التي قد تنبذ الآخر أو تكرهه، وبالتالي فالملحد سواء العربي أو الغربي لا يعني بالضرورة أنه بلا أخلاق، وإلا فعلينا أن نعتبر أن كل المسلمين والمتدينين أخالقيون، وهو شيء لا يمكن أن يتماشى مع الواقع، فالسرقة مثلا هي مرتفعة في الدول الإسلامية مقارنة بالدول الغربية.



الشيوخ

يُتابع العديد من المسلمين فتاوى الشيوخ وبرامجهم الدينية، وهو طبعا ليس بالشيء السيء، فكل شخص مهتم بالأشياء التي تثير اهتمامه، لكن السيء هو أن هؤلاء الأشخاص يُطبّقون ويأيّدون كل فكرة يقولها الشيخ، بدون طرح أية تساؤلات أو استفسارات أو حتى الشك في في كلامهم، معتبرينهم أهل العلم والذكر ولا يُخطؤون في شيء، إذ يتغير تفكير الشخص مع الوقت ليناسب تفكير الشيخ، أو من منظور آخر ليناسب التفكير الذي تريده الدولة.

فمثلا موضوع العلمانية، ستجد أن العديد من الشيوخ يتحدثون عنها، وأيًّا كان الشيخ أو البرنامج الديني الذي تتابعه، فغالبا سيأثر هذا على آرائك وأفكارك، وستصدق كلام الشيوخ دون الشك في ذلك، وهو بالتأكيد مغالطة منطقية، وأسلوب غير عقلاني.

وفي إطار موضوع هذا المقال، كنت قد شاهدت العديد من مقاطع الفيديو عن شيوخ يتحدثون عن ” ظاهرة الإلحاد ” خاصة ” الملحد العربي ” ويقول بعضهم بدون إسناد أي دلائل أو براهين أو إحصائيات أو دراسات تتبث كلامهم، أن الملحدين ” العرب ” هم مرضى نفسيين، وغالبا ما واجهوا اضطرابات ومشاكل نفسية في سن الطفولة.

وكي يكون انتقادي انتقاد بناء، فحتى لو اعتبرنا أن الشيوخ من أهل العلم والاختصاص، فعلى المشاهد دائما أن يُشكِّك في كل كلمة يقولها الشيخ، وأن يكون له تفكير نقدي يساعده على معرفة الصح من الخطأ، فللشيوخ آرائهم الخاصة، ولا يعني أن علينا أن نتبنى هذه الآراء ونُأيدها، أو نستعملها في النقاشات، وإلا فسنرتكب بذلك مغالطة الاحتكام إلى السلطة، إضافة إلى تحجر عقولنا ومنحها لهؤلاء الشيوخ.

ربما قد سمعت بالشيخ بندر الخيبري الذي يقول في فيديو على اليوتيوب أن الأرض ثابتة لا تتحرك، وقد أتبث حجته هذه بدليل أن الصين لا تأتي … فتخيل لو كنت فعلا تصدق ما يقوله الشيوخ، وتخيل مدى الهراء والغباء الذي كنت ستؤمن به لو لم تُشكِّك في كلامهم.


التفكير النقدي

لم نتربى إطلاقا في دولنا العربية على التفكير النقدي، فقد كنا نطيع الأوامر بكل انصياع، وكنا نتلقى المعلومات ونتقبلها ونغرسها في حقول أدمغتنا دون أن نطرح تساؤلات عن مدى صحة هذه المعلومات أو خطأها، وللدين جانب صغير أيضا في هذه المسألة استنادا إلى مقطع من الآية التي تقول “ لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ “، كما للثقافة جانب أيضا، سواء في التربية الأسرية أو في المجتمع ككل.

وبهذا النظام العسكري، تم وضعنا في إطار يصعب على الشخص أن يخرج منه، بحيث سيتلقى موجة هائلة من الانتقادات والاعتراضات وكدا التهديدات ليس فقط من الدولة وإنما من محيطه الاجتماعي الذي يراه بنظرة الخيانة والخروج عن الجماعة.

ولاشك أن هذا ما يحصل مع الملحد العربي اليوم عكس الملحد الغربي، ففي الغرب يمكن للملحد أن يعبر عن رأيه بكل أريحية ويمكنه أن ينتقد الدين والسياسة وأي فكرة يرى أنها لا تنسجم مع الواقع، وسترى أن كل محيطه الذي يملك آنفا ” تفكيرا نقديا ” مستعدا لسماع هذه الآراء ومناقشتها، كما أنها لن تأثر على معتقداته أو آرائه بشكل مباشر أو مُكره فيه.

لكن لو غيرنا زاوية الكلام نحو الملحدين العرب، فنسجد أنهم يتلقون كل أنواع التهديدات والعنف والقمع سواء من طرف الدولة أو من طرف المجتمع، وطبعا يعود السبب في ذلك أن المحيط والمجتمع أصلا لا يملك تفكيرا نقديا لمواجهة مثل هكذا انتقادات ومناقشتها وتحليلها، وبالتالي سيرى المسلم دائما أن الملحد العربي هو عدو للدولة وللدين وبالتالي نبذه وعدم الاستماع إليه.



مشكلة القدسية

إذا جمعنا بين صفات عدم التسامح وعدم تقبل الآخر وكل ما ذكرت في الفقرات السابقة، فلن يبقى أمامنا سوى إضافة بعض القدسية لبعض الأفكار المعينة كي نصنع أكبر قنبلة موقوتة في عقل الإنسان.

وكي أكون محايدا في هذا الموضوع أيضا، فأنا لست ضد القدسية ولكل شخص حريته في تقديس ما يشاء، فالمسيحيون يقدسون المسيح والمسلمون يقدسون محمد عليه الصلاة والسلام … الخ.

لكن المشكلة هنا، هي أن القدسية تحتاج إلى شخص يتحلى بمواصفات مثل التسامح والحب وتقبل الآخر وكذا التفكير النقدي والاهتمام بالنقاشات الفكرية، وعلى الأقل القليل من الثقافة والوعي. وهي المواصفات التي نادرا ما نجدها في شخص تربى في مجتمع عربي وثقافة متحجرة.

إذن فالقدسية تلعب دورا ولو صغيرا في إنتاج الكراهية والغضب تُجاه انتقاد بعض الأفكار المقدسة، ولا نجد هذه الكراهية في البلدان الغربية لسبب بسيط، هو أن هذه الدول علمانية أولا، وثانيا شعبها شعب يتصف بالتفكير النقدي وتقبل الآخر، وكي تتضح لك فكرة خطر القدسية في الدول المتخلفة، ألقي نظرة على المظاهرات (والاغتيالات) التي حدتث إثر رسم كاريكاتور للنبي محمد.


خلاصة القول

الفرق الوحيد بين الملحد العربي والملحد الغربي هو النقطة الصغيرة فوق حرف العين.

أنا لا أقول أن الملحدين العرب هم أُناس طيبين وأخلاقيين، وإلا سأرتكب بذلك مغالطة منطقية، فطبعا هناك من هو غير أخلاقي وهناك من هو أخلاقي، لكنني أوضحت فقط المشاكل التي تجعل منا نحن العرب متخلفين ومتغاضين عن محاولة تقبل الآخر واحترامه والاستماع إليه.

وأخيرا وليس آخرا، إذا كنت شخص مسلم، فطبعا أنت تقدس دينك، لكن هذا لا يعني أن عليك محاربة ومهاجمة كل من ينتقد هذه الأفكار، وإنما عليك أن تناقش بكل الأساليب المحترمة للنقاش والحوار مع هؤلاء الملحدين وغير المسلمين عامة.

كفانا جهلا وتخلفا ودعنا ننشر الحب والسلام بيننا وبين كل المختفلين عنا.

ألقي نظرة على هذا الكوميدي الذي ينتقد طولا وعرضا شخصية المسيح، ثم شاهد ردة فعل الجماهير كي تستنتج قمة التسامح والحب لدى هؤلاء الناس:


Avatar for فكر حر

كُتب بواسطة فكر حر

التعليقات

اترك تعليقاً

Avatar for فكر حر

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Loading…

0