in

تحليل النمو والتكاثر عند الكائنات الحية والغير حية

تحليل النمو والتكاثر عند الكائنات الحية وغير الحية

لقد خدعنا عقلنا وأفكارنا عندما اعتقدنا أننا مختلفون عن الكائنات الغير حية، أننا نغير العالم بشكل لم يغيره أحد مثلنا، بأن أي شيء غير حي حولنا لا يمكن أن يشبهنا حتى في أتفه صفاتنا. فحياة جميع الكائنات الحية الموجودة على كوكب الأرض تعتمد على ثلاث أشياء أساسية، البقاء على قيد الحياة أولاً، والنمو ثانياً، ثم التكاثر ثالثاً. هذه الشروط الأساسية قد تبدوا في البداية منحصرة على الأحياء فقط، وأي شيء يتّسم بهذه الصفات يجب أن يكون في داخله حياة وحركة.

لكننا مخطئين تماماً بشأنهم؛ البقاء على قيد الحياة ما هو إلّا رغبة في الحفاظ على النظام المتكوّن، ومقاومة الأنظمة الأخرى التي تريد تغيير نظامنا إلى أنظمتهم أو لمنفعتهم. نحن نهرب من الوحوش التي تريد أن تأخذ من لحومنا وتحولها إلى لحومها، ونُخمِد النيران التي تجلب الفوضى إلى أنسجتنا، ونأكل أجساد وثمار الكائنات الأخرى لكي نهدم وجودهم ونظامهم، ولكي نزيد من حجم نظام أجسادنا، لكي ننموا، لنُحوِّل كل ذرّة ومركب وجزئية التي تتواجد داخل الأنظمة الأخرى (كأنسجة الحيوانات مثلاً) والتي تشكل جزءاً من نظامهم إلى خلايانا وأنسجتنا ونظامنا، حتى نصل إلى مرحلة لا نَقدِر على النمو فيها أكثر من ذلك، فنلجأ إلى غاية أخرى، لكي نتكاثر، لنُخلِّف ورائنا أنظمة تشبهنا وتنموا مثلنا، ثم تقوم بدورها بالمساهمة في إنتشار أنظمة أجسادنا البشرية، ليحوّلوا كل ما يرونه ليس إنسان سواء كان حياً أو غير حياً إلى شيء يشبه الإنسان، إما بأكله وهدمه ثم تحويله إلى جنين بشري، أو بتغييره وطرقه وحرقه حتى يتحول إلى كيان نافع للبشر (كالملابس، والسيف)، أو ربما حتى تحويله إلى كيان يشبهنا مثل الروبوتات إن لم نقدر على أكل البلاستيك والنحاس.

فلنتوقف عن إيهام أنفسنا بأننا أسياد الأرض؛ جميع الأنظمة حولنا تحاول أن تجعل ترتيب نظامها الأكثر انتشاراً في الأرض. النباتات تريد أن تحول كل الجزيئات الموجودة في الكون إلى أنسجة نباتية تخدمها، الفيروسات تَستغلّ الخلايا وتَهدِم نظامها لتكوين مزيد من الفيروسات، وحتى الكائنات الغير حية، مثل الكريستالات، تأخذ ما بإمكانها من البيئة لتحولها إلى ترتيب نظامها الخاص.

يجدر الذكر على أن الأدلة لا تظهر لحد الآن تعدي الذرات والجزيئات الغير حية على أنظمة الأخرى في البيئة لتقوم بهدمها ثم استخدام وحداتها الأولية في توسعة نظامها. بمعنى آخر، لا تقدر كائنات غير حية على إجراء عمليات أيضية على الذرات والجزيئات في بيئتها، لكن بالرغم من هذا، فهي تتفاعل بشكل مستمر مع بعضها البعض للمساعدة على بقاء نظامها ونموها وتكاثرها.

الكائن الحي والكائن الغير حي

لطالما قارن العلماء بين الكائنات الحية والغير حية لمعرفة سر الحياة. في هذا المقال، نريد أن نعرف ما هي أوجه الاختلاف والتشابه بيننا وبينهم؟ وبما أن القوانين الفيزيائية والكيميائية تنطبق عليهم وعلينا (مثل قانون الجاذبية)، فهل نحن جزءاً منهم أم هم جزءٌ منا؟ هل نحن نسعى وراء أهدافنا أم نحاول إرضاء أهدافهم؟ هل نحن فقط عملية كيميائية تريد أن تصل إلى ناتج مركب ما؟ وهل هناك فرق حقيقي بيننا وبين الكائنات الغير حية؟ أم أننا متماثلون بشكل في الأعماق.

النمو والتكاثر هما سمتان مميزتان من سمات التعريفية للحياة، فالكائن الذي لا ينمو ولا يتكاثر يعتبر كياناً غير حي. تتعدد المعايير التي تميز الكائن الحي عن غير الحي، وتختلف باختلاف كتب البيولوجيا التي يتم قرائتها، ولكن بشكل عام، يمكننا أن نتفق على أن الكائن الحي يتوفر على الصفات التالية:

  • الإنتظام: يجب أن يتكون من جزيئات نظام منتظم ومنسجم الوحدات البنائية (مثل الخلية).
  • التوازن والاستجابة: يعتبر الكائن كائنا حيا إذا كان نظامه في توازن وإنسجام مع البيئة، ويستطيع الاستجابة للتغيرات التي تُخلّل من توازن نظامه، كاستجابة الإنسان للنار بالإبتعاد عنها.
  • الأيض: يجب أن يكون الكائن الحي قادراً على تحويل الطاقة من بيئته إلى صالحه، وكذلك تحويل المواد الخام إلى جزيئات مكونة منه، مثل هضم الإنسان للطعام وهدم نظامه إلى وحداته البنائية، ثم استخدام تلك الوحدات لبناء بروتينات وخلايا إنسانية جديدة.
  • النمو والتكاثر: تستطيع الكائنات الحية زيادة حجمها وتحويل جزء من هذه المواد لتكوين كائنا آخر يشبهها في الانتظام، مثل قدرة الإنسان على توليد إنسان آخر.

النقطة الأخيرة هي النقطة الأساسية التي تهمنا في هذا المقال ونترك النقط الأخرى لمقال أخر.



النمو والتكاثر بشكل عام

يعتبر النمو زيادة في حجم النظام (حياً كان أو غير حي) وذلك من خلال تكوين مواد جديدة منتظمة مع النظام أو من خلال جمع مركبات مشابهة من المحيط، وكمثال على ذلك الزيادة في حجم الخلايا من خلال زيادة تكوين بروتينات وجينات والأجسام العضوية الأخرى، أو مثال لكائن غير حي كزيادة حجم الثلج في سطح ما بزيادة تساقط الثلوج عليه وتجمعه فيه. هناك نوعان من النمو، النمو البقائي، وهو نمو أناني في الحجم لبقاء الفرد على قيد الحياة بنفسه، ثم النمو التكاثري وهو نمو في الحجم وجمع مواد الخام استعداداً لتكوين كائن آخر مماثل للنظام النامي.

أما بالنسبة للتكاثر فهو إنشاء كائن أخر على هيئة نظام الكائن المكون له، وهو ما يسمى ب”النمو المنقطع للنظام”، أي أن النظام يستمر في النمو، ولكنه ينفصل عن الجزء المكون له. والإنسان خير مثال على التكاثر عند الكائن الحي، إذ يتكاثر عن طريق الجنس، أما البكتيريا من ناحية أخرى فلا تتكاثر جنسيا (لا حاجة لشرح ذلك في هذا المقال، إذ يمكن للقارئ الاطلاع أكثر على هذا الموضوع)، أما مثال على التكاثر عند الكائن الغير حي، فنذكر: تكوين النهر لأفرع له (يمكن رؤية ذلك بوضوح بنهر دلتا، ايسلندا) وتكوين الكريستالات لأصابع منشقة منه.

النمو عند الكائنات الحية

نعلم أن النمو عند الكائنات الحية يأتي من العمليات الأيضية التي تقوم بمعالجة المواد الخامة من البيئة، لتحويل هذه المواد إلى جزيئات منتظمة تشبهه في الإنتظام الشكلي والنوعي، ويمكن للمثال أن يفيدنا في فهم ذلك ونأخذ الإنسان على سبيله، إذ يقوم الإنسان بأكل مواد خامة غير منتظمة كهيئته من بيئته، ثم يقوم بتحويل هذه المواد إلى ما يشبه نظامه ومكوناته (نقوم بأكل الغذاء وتحويله إلى خلايانا وأنسجتنا عن طريق عمليات الأيض البنائية). هناك عمليتان أيضيتان تقومان بمعالجة وتنظيم المواد المجمعة، وهي عمليات الأيض الهادمة، التي تقوم بهدم شكل وهيئة المواد المأخوذة من البيئة لتحويلها إلى مادة خامة قابلة للاستخدام من قبل الكائن الحي، ثم عمليات الأيض البنائية ، وتشكل هذه العملية جزء أساسي من النمو ، فهي تقوم بتحويل هذه المواد وترتيبها على شكل جزيئة الكائن، لذلك يزداد الكائن في الحجم بانتظام، وهذا ما نسميه “النمو”.

يمكن تعريف النمو على أنه إعادة لترتيب المكونات والمواد المأخوذة من نظام معين إلى ترتيب نظام كائن حي (ويتسثنى من هذا التعريف الجزيئات التي يأكلها الإنسان ويحولها إلى جزيئة أخرى)، نعلم أن الطاقة والمواد لم تستحدث من العدم (الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم) ولكن تشكليتها تختلف عند وجودها في نظام حي آخر (قارن مواقع الأحماض الأمينية في بروتينات النبات التي يأكل الإنسان، وفي بروتينات خلايا بشرية).



النمو عند الكائنات الغير حية

نَمُرّ الآن إلى النمو عند الكائنات الغير حية ونحلل نمو الكريستال لنرى أوجه التشابه بينه وبين النمو في الكائن الحي. الكريستال هو مادة غير حية تكون جسيماته التي تكوّنه منتظمة التركيب، مثل الخلايا عند الكائنات الحية، ولكنه يقتصر على الجزيئات الصغرى كالذرات أو الجزيئات (مكونة من حفنة من الذرات)، ومثال على ذلك الثلج والألماس والأملاح وكذلك أحجار الكوارتز وغيرها.

الكريستال

على عكس الأنظمة الغير حية الأخرى التي تزداد في الحجم بشكل غير منتظم وغير منقح كالمواد المترسبة، الكريستال يزداد في الحجم بصورة بطيئة ومختارة ومنتظمة، أي أن الكريستال المكون سوف يختار (عندما تكون ظروف الثرموديناميكية مناسبة) فقط الجزيئات والذرات المكونة منه من البيئة دون اختيار مواد أخرى (تحصل أحيانا بعض الشوائب ولكنها ندارة) تماماً مثلما تختار الكائنات الحية المواد العضوية من البيئة (كأكل الحيوان للنباتات دون أكل التراب).

نرى أن هذه الزيادة في الحجم ليست عشوائية على الأطلاق، وإنما إنتظامية، فكل ذرة أو جزيئة يختارها الكريستال لنموه يجب أن تكون من نوع الجزيئة المكونة له، ويضعه الكريستال بصورة منتظمة في تركيبته لعمل بنية مرتبة (حاول أن ترى صور لكرسيتالات إن كان الشرح غير واضحاً). والكل يعلم أن تكوّن الثلج والجليد يكون بطيئاً عند وجود الشوائب مثل الملح والسكر في المحلول، والسبب هو أن هذه المواد تقوم بمنع أسطح الكريستال (الثلج) المتكونة من اقتناء جزيئات الماء الأخرى للزيادة من حجم الجليد.

الشوائب

وجود الشوائب كبيرة كانت أم صغيرة في تركيبة الكريستال لا يمنع بالضرورة عدم قدرة الكريستال على النوم وزيادة حجمه، فبإمكانه إنشاء وترتيب جزيئاته حول تلك الشائبة وجعلها محاصرة في التشكيلة، وكمثال على ذلك، حصار الأسماك في الجليد، أو حصار غازات جوية في الجليد، أو حصار المعادن. إذاً، فلا غرابة في تحليل أوجه التشابه بين الكائنات الحية والغير حية عندما يأتي الأمر لتوقف عملية النمو، فكلتاهما يتوقفان عن النمو عند عدم وجود جزيئات كيميائية مفضلة في بيئتهم، أو حتى تموت عن تناول طعام غي صالح للأكل، كالطيور التي تتناول البلاستيك والتي تموت من انسداد أمعائها، وكذلك ارتباط شيء آخر لكريستال أو لبولمير غير مشابه لجزيئاته سوف يغيره أو يوقف عمليته بالكامل.

توجد عدة أنواع من الشوائب في الكريستالات منها شائبة نقطية، شائبة خطية، وهي تكون على طول حواف أو حول الكريستال، وشائبة سطحية. كل هذه الشوائب تؤدي إلى منع الكريستالات من تنظيم كيانها واختيار جزيئات مماثلة من بيئتها، أو على الأقل تبطئها، كما تؤدي إلى عدم انتظام في تكوينة الكريستال وإحداث خلل في توازن الكائن. وهناك البروتينات المضادة للتجمد التي تمتلكها بعض البكتيريا المتواجدة في البيئات ذات درجات حرارة واطئة، إذ تقوم هذه البروتينات بالإلتصاق بتكوينة الكريستال ومنعه من النمو ومن اكتساب جزيئات ماء أخرى من حوله.

البوليمرات

يمكن أن نذكر مثالا آخر وهي البوليمرات، وسنقوم بالتحديد بمقارنة البوليمرات الطبيعية (عادة تكون حية مثل البروتينات والحمض النووي) مع البوليمرات الصناعية (عادة تكون غير حية مثل البلاستيك) لمعرفة تقارب وتباعد النمو بينهما. البوملير هو عبارة عن جزيئة تتكون من وحدات بنائية متكررة ومنتظمة بشكل معين حسب الخاصية الفيزيائة والكيميائية لتلك الوحدات، وتكون إما صناعية مكونة في معامل مثل البوليستايرين (بلاستيك) أو تكون ناتجة طبيعياً من البيئة الخامة نفسها مثل الحامض النووي والبروتينات (بايوبوليمرات). وعملية التبلمر تعرف كتفاعل كيميائي بين وحدات بنائية تدعى مونمرات، واتحادهم معاً يُشكّل البوليمرات.

الحمض النووي المعروف اختصارا بالدنا (DNA) هو المثال الأشهر للبوليمرات الحية، والتي تحمل كل المعلومات الأساسية لتكوين الكائن الحي، وتتكون وحدات بنائها من نيوكليوتيدات مرتبطة معاً من خلال الآصرة التساهمية. هذه الوحدات البنائية لدنا (DNA) هي التي تخزن وتحمل المعلومات الأساسية لتكوين الكائن الحي، وهي نفسها التي تنتقل عند التكاثر لإنشاء نسخة من ذاك الكائن. لذلك يتطلب على الكائن الحي البحث عن مصادر لتكوين النيكليوتيدات وربطها معاً بانتظام عند النمو والتكاثر.

ربما تبدأ الحياة بارتباط النيكليوتيدات معا لتكوين الدنا (DNA)، ولكن الكائنات الحية التي نتكلم عنها هنا يمكنها تكوين نيكليوتيدات داخل خليتها عن طريق تحويل وتعديل كيميائي للأحماض الأمينية ونيكليوتيدات الأخرى. عملية إلتصاق هذه النيكلوتيدات معاً وتكوين الدنا (DNA) هي عملية كيميائية تلقائية مفضلة ثرموديناميكياً عند الظروف المناسبة، ولكنها تكون بطيئة جداً لاستمرار حياة الكائن الحي، حيث يحتاج ذاك الكائن (لنفرض على سبيل المثال كائن كبير مثل الانسان) إلى مليارات من الدنا (DNA) في وقت قصير نسبياً، فتقوم الخلايا بتسريع عملية الترابط عن طريق الأنزيمات التي تسرع إلتصاقها كيميائياً.

تجري هذه العملية بشكل بسيط جداً وذلك بوجود سلسلة من نيوكليوتيدات مرتبطة معاً مسبقاً، ونيوكلوتيدات أخرى موجودة بشكل حر داخل محيط الخلية والتي تريد الارتباط مع السلسلة. تكون لِطرفي النيكليوتيد قابلية على التفاعل الكيميائي، فيلتصق الطرف الآخر مع السلسلة كونه مفضل تفاعليلاً ويكون آصرة تساهمية معهم، وبذلك ينتظر الطرف الآخر من النيوكليوتيد عند نهاية السلسلة نيوكلوتيداً آخر للارتباط به.

الحمض النووي (DNA)

الدنا (DNA) هو عبارة عن بولينيوكلوتيد (أي مكون من عدة نيوكلوتيدات) مرتب بشكل منتظم تماماً ليحمل المعلومات اللازمة لبقاء الكائن الخازن على قيد الحياة. قد تحدث الكثير من الأخطاء القاتلة عند تكوين ارتباط هذه النيكلوتيدات، وذلك لأن الدنا (DNA) مكون من نيوكلوتيدات معينة (هناك أربع أنواع منه) لا يقبل إلتصاق مواد أخرى غير متشابهة به. مثلاً، بإمكاننا جعل أحد أطراف النيوكليوتيد الملتصق غير قابل للتفاعل كيميائيا مع نيكلوتيد آخر، وبالتالي تتوقف عملية تكوين الدنا (DNA) مباشرة عند إلتصاق ذاك النيوكليوتيد الخاطئ به، أو يمكن نظرياً تصور إلتصاق المادة الفعالة بشدة كيميائياً مع مجموعة نيكليوتيدات وإنهاء عملية إنشاء الدنا (DNA). كل هذا يعيطنا فكرة عن نمو تلك الجزيئة الحية، وهي أنها تقوم بزيادة حجمها ونموها عن طريق ترتيب مواد متشابهة لها.

صناعة البوليمرات الاصطناعية في المعامل وخصوصاً بوليستايرين يبين لنا مدى تقارب النمو بين الكائنات الحية والغير حية. البوليستايرين عبارة عن سلسلة من ستايرينات (مركب سائل ينتج جانبياً من البنزين) مرتبطة معا. معروف عند العامة بالبلاستيك، وتستخدم لعدة أغراض منها التعبئة وتغليف المواد عند الشحن، وأشياء أخرى في حياتنا مكونة من البلاستيك مثل الأبواب والأغطية وكذلك الأسقف المضادة للماء. يبدأ تكوين البوليستايرين بتصنيع ستايرين أولاً وذلك من خلال تسخين ايثلبنزين (مركب مستمد من ايثلين وبنزين) مع بخار الماء ثم نزع الهيدروجين من المركب لتكوين ستايرين. تتبلمر وحدات ستايرين مباشرة في درجات الحرارة العالية في بيئة خالية من الأكسجين، ولكن في المعامل الكيميائية يتم إضافة بعض عوامل المساعدة إليه من أجل تسريع عملية البلمرة والتأكد من بلمرة كاملة للوحدات. العملية بأكملها هي مثال على البوليمرات الصناعية التي يقوم بها البشر لتنظيم الجزيئات لتكوين خاصية معينة فيزيائية كانت أم كيميائية.

الوجه المختلف بين بوليمر الدنا (DNA) وبوليمر البوليستايرين هو أن الدنا (DNA) يأخذ الأمر إلى أعلى من تركيب هذه الوحدات. فهي بالإضافة إلى ذلك تقوم بوضع النيوكليوتيدات الأربعة (المختلفة قليلاً عن بعضها البعض) بشكل منتظم جداً حيث كل ثلاث نيوكليوتيد يمكن أن تقرأ كرسالة لتكوين نوع معين من البروتينات، بينما هذا لا يتوفر في البوليستايرين، فجزيئاته تكون مماثلة لبعضها البعض. لقد أصبح التشابه واضحًا جدًا الآن عندما يأتي الأمر للنمو بين هذه البوليمرات. كلها تنمو بشكل منتظم حيث تأخذ من محيط بيئتها الجزيئات المتشابهة لها، وتضعها بانتظام مع سلاسلها للزيادة من حجمها وبالتالي حجم نظامها.



التكاثر عند الكائنات الحية

لندخل إلى الموضوع ثاني، ونقول ما هو التكاثر إذاً؟ ربما يختلف الكائن الحي عن غير الحي من خلال قدرته على التكاثر وتكوين نسخ من كيانه حاملاً نفس الصفات والتشكيلات. انطلاقا من المعلومات التي ذكرناها عن النوم وابلعودة إلى تعريف التكاثر، يصلح القول بأن التكاثر هو فقط نمو منقطع للنظام؛ أي أن النمو لا يزال يحصل في النظام حتى لو انفصل النظام إلى كيانين في الطبيعة فهما يقومان باستمرار في جمع المواد الخامة والطاقة من الطبيعة لتنظيمه على هيئتهم، والأمر نفسه ينطبق على الجزء المنفصل عن الأصل، إذ يمكن أن ينتج أجيالا تشبهه في التكوين.

لا يوجد الكثير لقوله عن التكاثر عند الكائنات الحية، فهي إما تتكاثر جنسيا إذ يتطلب الأمر ذكرا وأنثى كما الشأن بالنسبة لنا، أو لا جنسيا، إذا يتكاثر حينها الكائن عن طريق النمو والزيادة بالحجم ثم الانشطار لتكوين خليتيين َو التبرعم أو إنتاج سبورات مثل البكتيريا، بعض الحيوانات البحرية، وبعض النباتات. كل هذه العمليات تؤدي إلى ظهور كائن منتظم يشبه تماماً أمه في حالة التكاثر اللاجنسي، وظهور انتظام ممزوج بين الفردين الناتجين له عند التكاثر الجنسي.

إن التكاثر بشكل عام لا يحدث قبل عملية النمو وزيادة في حجم الكائن سواء كان حي أو غير حي، فمثلاً الحيوان الحامل الغير قادر على تلبية المتطلبات الغذائية للجنين سيؤدي بلا شك إلى موت ذاك الجنين. كذلك البكتيريا الغير قابلة على النمو وجمع مصادر الطاقة والغذاء للكائن القادم من بيئتها سينتهي بها المطاف إلى تحولها إلى سبور.

وكما سبق وقلنا في فقرة النمو، يجب على الكائن أن ينمو نمواً تكاثرياً، يجمع فيه المصادر الغذائية وينشأ جزيئات منتظمة جديدة ونسخ كثيرة، ثم بعدها تبدأ عملية التكاثر (القاعدة هي البقاء على قيد الحياة أولاً ثم النمو ثم التكاثر).



أسباب التكاثر

يأتي التكاثر لثلاث أسباب رئيسية:

  • أولاً، عدم قدرة جسد الكائن – حياً كان أو غير حي – على تحمّل القوة المسلطة عليه من الطبيعة، كعدم قدرة النهر على تحمّل كمية المياه المتواجد فيه، فمع ازدياد الحجم يتشقق النهر إلى عدة فروع للخفض من الظغط المسلط عليه. أو الكائن الحي الذي لا يقدر على تحمّل الظغوطات الخارجية المسلطة عليه، مثل الإنسان الذي لا يمكنه أن يزداد في الحجم بشكل نهائي (لعدة أسباب)، فيضطر عندها إلى التزاوج وتكوين كائن ذات نظام متماثل يمكنه أن ينمو بدوره إلى وزن معين، ثم يُكوِّن هذا الكائن نفسه كائناً آخر بعد وصوله لوزن حرج..وهكذا.
  • السبب الآخر هو لترتيب وتنظيم الكون على هيئته: فكل الكيانات، سواء كانت حية أم غير حية، تحارب لتشكيل الكون على هيئتها لتشبهها في الأهداف أو في الأنماط. يقوم الكائن الحي بأخذ المواد الخامة الفوضوية (من منظوره) من بيئته وترتيبه على شكله وهيئته. ولكن هذا لا يفيد أو لا يكون سريعاً فردياً عندما يقوم كائن واحد بفعله، لذلك يحتاج الكائن إلى تكوين عدة نسخ من نفسه للتسريع من عملية الترتيب وتنظيم الكون على هيئته، ويأتي هذا التسريع بالإكثار من عمليات الأيض للنظام ككل، وهو الأمر نفسه عندما يقوم كائن حي بالتكاثر، ولكن التسريع عند كائن غير حي يأتي من زيادة المساحة السطحية للتفاعل والأيض بدلا من تكوين كائن آخر.
  • والسبب الثالث للجوء إلى التكاثر عند الكائنات الحية، هو للحفاظ على ترتيبها الجزيئي المعقد. نحن نعلم أن الكائنات الحية تموت، والسبب يعود إلى تعقيداته المرتبة نسبةً إلى بيئته، ويأتي هذا الموت إما من تداخل ترتيب وقوى الطبيعة مع ترتيب الكائن، حيث يؤدّي إلى انقراضه، أو يأتي الموت من داخل الكائن الحي من خلال تداخلات ترتيبية بين جزيئاته نفسها.


التكاثر عند الكائنات الغير حية

من الواضح أن تكاثر الكائنات الغير حية لا تشبه التكاثر الجنسي عند الكائنات الحية، ولكنها تتسم بظواهر التكاثر اللاجنسي كما هو موجود في البكتيريا وبعض الفطريات والاسفنجات. فعلى سبيل المثال التكاثر بالتبرعم عند الكائنات الحية، وهو عملية تكاثر الكائن عن طريق انقسامه إلى كائنين متماثلين، وهذا ما يحدث بالضبط في الكريستالات، حيث أنها تبدأ بتكوين زغابات وتتشق أفرع صغيرة متماثلة لها لكي تنمو تلك الزغابات وتشكل خطاً كريستالياً آخر.

وهناك احتمال غير بعيد بأننا أخذنا تكاثر الكائنات الغير حية على عاتقنا، فجعلناهم يتكاثرون في معاملنا وفي أيدينا، فخيرهم لنا يزداد في العدد بإزدياد أعداد سكان البشر. تماماً مثلما أخذنا تكاثر بعض الكائنات الحية المدجنة مثل المواشي، أو مثل زراعة بعض النباتات المفيدة لنا، فقمنا بأخذ تكاثرهم على عاتقنا بين أصبحوا يعتمدون علينا ليس فقط في التكاثر بل في الوجود والبقاء.

الفيروسات

لا يحلو مقالاً يتكلم عن الفروقات بين الكائنات الحية والغير حية دون ذكر الفيروسات، فالفيروسات تعتبر كائنات ما بين الأحياء والأموات، وننظر إليه ككائنات حية داخل خلايا أخرى حية وغير حية عندما تكون تلك الخلايا وحيدة في الخارج. تحقق هذه الكائنات الصغيرة بالتأكيد بعض من معايير الحياة التي قمنا بذكرها، فالفيروسات لديها بروتينات ومعلومات جينية منتظمة بالداخل، ولديها أيضا القدرة على التوازن والاستجابة، ويمكنها القيام أيضاً بعمليات أيضية بمجرد وجود مواد خامة ( تتواجد المواد الخامة والطاقة التي تبحث عنها الفيروسات داخل الخلايا، ولا تستخدم مواد أخرى من البيئة).

وعلى الرغم من ذلك، هناك نقطة تفتقر إليها هذه الفيروسات مما يجبر العلماء بوضعها خارج تصنيف الكائن الحي. عندما يأتي الأمر للفيروسات فهناك خط دقيق يفصل بين النمو والتكاثر عندها. لا يوجد لحد الآن فيروس مكتشف يحاول النمو من داخل خليته وهو بذاته غير قادر على تكوين نسخ من أجل التكاثر دون الاعتماد على خلايا حية أخرى (التطفل). لكن كما أراه أنا، الفيروسات هي كائنات حية بالتأكيد واعتمادها على خلايا أخرى هي فقط إتكال للتخفيف من حدة وزنها والتقليص من جيناتها، تماماً مثل الإنسان، فنحن أيضاً نعتمد على كائنات حية أخرى من أجل النمو والتكاثر، إذ أننا نتغذى للزيادة في حجمنا من أجل نسخ أنفسنا عبر التكاثر، فربما نحن نغار من الفيروسات لقدرتها في الحفاظ على نفسها عند عدم وجود طاقة لازمة ومواد خامة في بيئتها، على عكسنا حيث أننا بحاجة إلى مصدر غذائي مستمر للبقاء على قيد الحياة.



الخاتمة

بالعودة إلى تأمل النصوص السابقة، ومقارنتها مع ما نراه في الطبيعة، نجد أن الستار المعرفي الذي كان يفصل ما بين الكائانات الحية والغير حية قد رُفع قليلا، وتبين أن هناك انسجام وتجانس داخل هذين الكيانين، وهما يشتركان في هدف تنظيم الكون على هيئة نظامهما (وإن كان نظامهما متضاد لبعضهما البعض). لا يتحقق ذلك الهدف من دون النمو والتكاثر؛ النمو الذي هو عبارة عن زيادة في حجم النظام إما بتحويل المواد والمركبات إلى وحدات بنائية للنظام أو جمع تلك الوحدات البنائية وترتيبها على شكل نظام الكائن. وقد رأينا أن العلماء والمكتشفين لم يعثروا على كائن غير حي قادر على إجراء عمليات للمركّبات الأخرى حولها لتغييرها إلى وحدات بنائها وترتيبها بشكل معين (الأمر الذي تقوم به تقريباً جميع الكائنات الحية والتي تسمى بالعمليات الأيضية). بالرغم من أن هناك بعض التفاعلات الكيميائية التي تجري داخل الكائن الحي لغرض إعادة ترتيب الوحدات لا غير (مثل الإنزيمات الهاضمة للبروتينات والإنزيمات التي تُسرِّع من عملية إلتصاق النيكلوتيد على سلسلة الدنا – DNA).

أما التكاثر، فما هو إلا نمو منقطع للنظام، أي أن النظام بأكمله ما زال ينمو ولكن الآن داخل كائنين منفصلين بحدود متشابهين تماماً لبعضهما البعض، ومشتركين في هدف ترتيب البيئة على هيئة نظامهما. قد يكون التكاثر صفةً معطاة للكائنات الحية ولا نحتاج إلى برهان لإتباث ذلك؛  فمن منا لم يرى كلباً يتزاوج، وطيراً تبيض، ونبات تلقح في الربيع. لكننا بالكاد نقارن تلك الأفعال مع ما تقوم به الكائنات الغير حية (كالماء مثلاً). الأنهار التي تخرج منها أفرع، والكريتسالات التي تطلق زغابات لا تتشابه مع تكاثر الكائنات الحية، ولكنها تشترك معها في الهدف، ويظل هذا الهدف إما للتقليل من ضغط الطبيعة على الكائن، أو لتسريع ترتيب البيئة على هيئة النظام، أو للحفاظ على الجزء المعقد من التلاشي والإبادة.

لربما يمكننا أن نؤشر على أحد أوجه الاختلاف بين الكائنات الحية والغير حية: وهي التعقديات الكيميائية والانتظامية للكائنات الحية، بينما يكون ترتيب الجزيئات بسيط نسبياً عند الكائنات الغير حية. وربما بسبب تعقد نظام وترتيبات الكائنات الحية هو الذي جعل الحياة نادرة، وفصل ما بين الأحياء والجماد. فهذه الكائنات الحية معقدة إلى درجة حيث يتطلب أن يكون هناك عدة خطوات وترتيبات وأنظمة، وأن يتم إجراء عدة عمليات وتفاعلات كيميائية وظروف فيزيائية بشكل صحيح ودقيق حتى يخرج هذا الكائن إلى الوجود، وربما هذا التعقيد هو ما يجعل الحياة مستحيلة في الكواكب والمجرات الأخرى (لم يتسنى للأنظمة الوصول إلى تلك التعقيدات التي وصلت إليها الكائنات الحية في كوكب الأرض).

وفي الأخير، ربما لا تختلف الكائنات الحية عن الغير حية عندما يتعلق الأمر بالنمو والتكاثر، ولكن الاختلاف الأساسي بينهما هو قدرة الكائن الحي على السيطرة على حيوياته والتكيف مع بيئته بشكل يضمن بقائه، عكس الكائنات الغير حية.

المراجع

– Slavov N.; Botstein D. (June 2011). “Coupling among Growth Rate Response، Metabolic Cycle and Cell Division Cycle in Yeast“. Molecular Biology of the Cell. 22 (12): 1997–2009.

– McKay، Chris P. (14 September 2004). “What Is Life—and How Do We Search for It in Other Worlds?”.

– Zimmer، Carl (11 January 2012). “Can scientists define ‘life’ … using just three words?“. NBC News.

– Edward N. Trifonov. Definition of Life: Navigation through Uncertainties. Journal of Biomolecular Structure & Dynamics، Volume 29، Number 4، February 2012.

– Robert Lee Hotz (May 21، 2010). “Scientists Create First Synthetic Cell“. The Wall Street Journal. Retrieved April 13، 2012.

– Jeuken M (1975). “The biological and philosophical defitions of life“. Acta Biotheoretica. 24 (1–2): 14–21.

– Potter، R.M; Rossman، G.R. (1979). “The mineralogy of manganese dendrites and coatings“. American Mineralogist.

– Linda C. Sawyer; David T. Grubb; Gregory F. Meyers (2008). Polymer microscopy. Springer. p. 5.

– G. W. Ehrenstein; Richard P. Theriault (2001). Polymeric materials: structure، properties، applications. Hanser Verlag. pp. 67–78.

– Markov، Ivan (2016). Crystal Growth For Beginners: Fundamentals Of Nucleation، Crystal Growth And Epitaxy (Third Edition). Singapore: World Scientific.

– Pimpinelli، Alberto; Villain، Jacques (2010). Physics of Crystal Growth. Cambridge: Cambridge University Press.

– Imperfect DNA replication results in mutations. Berg JM، Tymoczko JL، Stryer L، Clarke ND (2002). “Chapter 27: DNA Replication، Recombination، and Repair”.

– Alberts B، et al. (2002). Molecular Biology of the Cell (4th ed.). Garland Science. pp. 238–240.

– “Virus Taxonomy: 2019 Release“. talk.ictvonline.org. International Committee on Taxonomy of Viruses. Retrieved 25 April 2020.

التعليقات

اترك تعليقاً

Avatar for محمد كريم إبراهيم

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Loading…

0