in

رجل يعض كلبا

رجل يعض كلبا

إسمه الحقيقي ” ألفريد هارمزوورث “، أما اسمه الذي عرف به في تاريخ الصحافة  فهو ” اللورد نورثكليف “، صاحب فكرة المقال السريع، فقد كان يرى أن أي خبر أو مقال لا يجوز أن يتعدى مائتين وخمسين كلمة، وطبق فكرته في جريدة ” الديلي ميل” فأحدث ضجّة وانقلاباً في تاريخ الصحافة البريطانية، فمع سندوتشات البرجر، وماكدونالدز، وكنتاكي، وسرعة تحضيرهم، وأكلهم، هكذا المقال الصحفي يجب أن يكون كذلك.

في الواقع استطاعت أمريكا أن تصنع الأكلات السريعة، واستطاع اللورد نورثكليف أن يصنع الصحافة السريعة، وقبل أن نتحدث عن كيف أن اللورد نورثكليف قام بعضّ الكلب، وجعل تلامذته يقومون بعضّ الكلاب أيضا.

أحب أن أشير إلى تصريح صرّح به القائد الألماني لاندروف، بأن اللورد نورثكليف، هو الذي كسب الحرب العالمية الأولي، وليس” لويد جورج ” ملك إنجلترا، ذلك أن جريدة نورثكليف ” التايمز ” نشرت خبرا في 16 / 4 / 1917، عن وجود مصنع ألماني لتذويب الجثث و تحويلها إلى علف وسماد للخنازير، ثم راحت تؤكد الخبر في أعدادها القادمة، عبر تقارير و تحقيقات ومقالات، لتحذو حذوها معظم الصحف البريطانية، بل والعالمية، مما كان له أثر بالغ في تهيج الرأي العام والمنظمات الحقوقيه ضد ألمانيا.

انتشر الخبر، ونامت الحقيقة لمدة ثماني سنوات، وهي أن مراسل التايمز بألمانيا وصلت إليه برقيه تكشف أن هناك مصنعا ألمانيا يستغل جثث الحيوانات، فكتب المراسل إلى جريدته، أن هناك مصنعا بألمانيا يستخدم الجثث الآدمية كعلف وسماد.

هكذا كان نورثكليف يعلم مراسليه وتلامذته من الصحفيين والمراسلين، كيفية الخداع وكيفيه التذوير، علّمهم أهم درس في تاريخ الصحافة والذي لا يزال يدرس إلى الآن، علّمهم كيف يجعلوا الرجل هو الذي يعضّ الكلب، والحقيقة والواقع يقول أن الكلب هو الذي يقوم بالعض.

لكي تكتب مقالا يلفت الأنتباه ويصطاد القارئ، عليك أن تجعل العنوان “رجل يعض كلبا”.

هكذا تكون العناوين الصحفية التي تلفت انتباه القارئ، وتجبره على شراء الصحيفة وقرائتها من الألف إلى الياء، هكذا العناوين، يجب أن تكون في الروايات وفي الكتب، بل وفي البرامج التلفزيونية وعلى شبكات التواصل، “رجل يعض كلبا”.

أكاد أجزم عزيزي القارئ أن سبب قرائتك الآن لهذا المقال، هو ذاك العنوان، رجلا يعض كلبا. لا تكرهني عزيزي القارئ، لا تلقي باللوم على نفسك، لا تقل أنك مغفل اطلاقا.

دورنا كتلاميذ للورد نورثكليف أن نثير غريزتك، ونثير فضولك ورغبتك في المعرفة، ودورك انت أن تُثار لا أن تثور علينا، أن تقرأ وتنتقد وتفكر وتعلمنا، وتتعلم منا. هكذا فعل نورثكليف، وهكذا فعل مصطفى أمين، وشقيقه علي أمين، رائدا الصحافة المصرية، وهكذا فعل أنيس منصور، وغيره من الكُتّاب.

كلنا تلامذة في تلك المدرسة التي شعارها ” رجل يعض كلبا “.

Avatar for عبدو البغدادي

كُتب بواسطة عبدو البغدادي

كاتب وشاعر

التعليقات

اترك تعليقاً

Avatar for عبدو البغدادي

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Loading…

0