العبودية في مفهومها التقليدي هي سلب الانسان حريته و اختياراته، إذ أن على العبد أن يطيع سيده بما يؤمر حتى و لو كان على غير رغبته و عليه أيضا أن يعمل ليلا و نهارا بلا أجر. أما عن سيده فعليه إطعامه حتى يضمن بقاءه حيا وأن يوفر ملابس تغطي جسد عبده النحيل على أن تعكس مدى رقي سيده أمام من يرى هذا العبد. وكلما كان العبد صبورا خلوقا كلما تجبر و تكبر سيده و أحس بلذة الانتصار و بأنه بحنكته و ذكائه قادرٌ على إدارة بيته “بذكاء” و بأقل التكاليف.
إلى هنا لن يختلف اثنان على مفهوم العبودية التقليدي، ولكن ماذا بشأن المرأة في مجتمعنا العربي التقليدي؟
في مجتمعنا تتم خطبة المرأة ويدفع لها مهرٌ، حيث تقوم النسوة بشراء ملابس وحلي لكي تكون بأبهى حلتها أمام “سيدها” المستقبلي، وتنتقل المرأة إلى “قفص” الزوجية لتصبح تحت “قوامة” زوجها الذي عليها خدمته و طاعته و صون بيته و سره، ويعتقد كلا الزوجين جازمين أن للزوج الحق بممارسة السيطرة على زوجته لأن هذا هو العرف و التقليد. وأبسط مثال ممكن طرحه هنا أن على الزوجه أخد موافقة زوجها لزيارة أهلها أو أصدقائها و للزوج كامل الحرية أن يرفض طلبها بسبب أو بغير سبب، و اذا ما اشتكت لأحد يكون اول جواب سوف تحصل عليه “كل الرجال هيك”. أما الزوج فله الحق المطلق أن يسهر بشكل يومي مع من يشاء فهو رجل و له كامل الحرية بينما تبقى المرأة في مكانها وهو المنزل.
كما أن العرف و التقليد يفرضان على المرأة واجب رعاية الزوج و الاولاد و القيام بكامل الواجبات الزوجية سواء أكانت تعمل خارج المنزل أم لا، و اذا قصرت في هذه الواجبات انهالت عليها كومة من الاهانات التي تبدأ بالاذى النفسي و قد تنتهي بالأذى الجسدي الذي قد يودي بحياتها بسبب هذا التقصير ، و أبسط ما يمكن أن يتردد على مسامع المرأة العاملة ” ما حد طلب منك تشتغلي, أقعدي بالدار أحسنلك”.
أما واجب الزوج عرفا و تقليدا فهو تقديم الدعم المادي لزوجته و أولاده “طالما هم في كنفه”، إذ يقدم الزوج لزوجته ما يكفي لإبقائها حية أي ما يكفي لتأكل و تشرب ، بينما يدخل باقي مرتبه بالطبع في حسابه لأنه هو من يعمل و هي “لا تعمل” و في الغالب لا تعلم الزوجة كم تبقى و أين يذهب ما تبقى . و هل تجرؤ على سؤال كهذا؟
ويبدأ الزوجان عرفا و تقليدا بعد سنة الزواج الاولى بالتكاثر و تزداد مهام الزوجة داخل بيتها و يزداد العمل غير المأجور، وتستمر الزوجة بالعمل في بيت زوجها لسنين طويلة ليلا نهارا بلا أجر ، وتصبح بالضرورة الحلقة الاضعف في هذه العلاقة ، و يدرك الزوج بأنها لن تستطيع أن تحلق خارج قفصه فقد أخذ من عمرها السنين المنتجه. أما اذا ما قررت الانثى الدخول في معركة الانفصال بدأت أمامها مرحلة جديدة من المعاناة ابتداء من محاولة أناس ان يقنعوها ب “كلنا مرينا بظروف صعبة…. لا تخربي بيتك بإيدك” أي أنهم يقولون بالمختصر إبقي تحت إمرة سيدك و جلادك لاننا كلنا عبيد..
وحرب الطلاق التي تخوضها المرأة ما بين المجتمع و والمحاكم حكاية لن يوفيها حقها هذا المقال، و إذا نجحت بالإفلات من قبضة سجانها فسوف تنطلق للمجتمع الكبير بلا خبرة و لا مال، و إذا ما حاولت النهوض فسوف يلاحقها وحش الحقيقة بأنها أهدرت سنين عمرها و عطائها للرجل الذي قدم لها بضعة قطع من الذهب كمهر و أطعمها سنين ليبقيها حية قادرة على خدمته. تلتف الدنيا من حولها وتخنقها فترى نفسها ذلك العبد الذي سلب أبسط حقوقه و وهي حريته..
وعند أول مقابلة عمل سوف تسأل المرأة عن خبرتها… سيدي لقد تم شرائي في سوق العرائس و قد خدمت سنين طويلة و عملت بإخلاص فقد كنت أرمي سيدي بالورد عندما كان يرميني بالشوك ، وقد طببته في مرضه عندما كنت صحيحة الجسد والنفس، وحميته من النسيم عندما كان الاعصار يلفني… سيدي لقد غادرت بيت أهلي الحنون و انتقلت معه الى شبه بيت و عندما أردت أن أدعمه و أعمل بشهادتي منعني و وقال لي “المراة مكانها البيت” بمقدار العطاء الذي أعطيت تلقيت المذلة و المهانه ! سيدي أنا بلا خبرة عمل, أنا خبرتي القهر و الظلم.
أعتذر سيدتي ولا أستطيع أن أعطيك هذه الوظيفة فنحن نبحث عن حديثي التخرج أو عن ذكور ليعيلوا عائلاتهم… لكن سيدي لي ثلاثة أطفال و النفقة لا تكفي لأن أطعم نصف طفل… سيدتي لا تطيلي الحديث، ولربما عليكي البحث عن “زوج” جديد بعقد عمل مجاني مدى الحياة ليلا نهارا ليؤمن لك المأوى والمأكل.
والسؤال هنا..ما الفرق بين العبودية و عقد الزواج في مجتمعنا العربي؟ وإلى متى يستمر استعباد النساء؟
النساء لسن بعبيد والعمل المنزلى غير المأجور هو استعباد مغلف بعقد زواج.
ميرا النجار
Thank you Mira for this amazing article that shows how unfair marriage contracts are for women everywhere, much more if we have kids.