عبر كل العصور وفي جميع أنحاء العالم كانت هناك العديد من الهواجس تسيطر على المرأة، إحدى هذه الهواجس هى الجمال؛ تسعى المرأة القبيحة لتكون متوسطة الجمال، و تسعى متوسطة الجمال لتكون جميلة بشكل تام، و تسعى كاملة الجمال لتصبح ملكة الجمال التي تسحر كل العيون ولا يجادل في جمالها أحد. ولكن ماذا لو أصبح السعى وراء الجمال يشكل خطراً؟
في اليونان القديمة كانت النساء تستخدم مادة الرصاص الأبيض لتبييض البشرة لأنه كان سائدا أن البشرة البيضاء من علامات الجمال. ونعلم الآن أن الرصاص الأبيض مادة سامة.
وكانت نساء أوروبا في العصور الوسطى يستخدمن الزرنيخ لإزالة الشعر غير المرغوب فيه. والزرنيخ مادة سامة أيضا قد تسبب الموت.
وفي القرن التاسع العشر إستخدمن الدموع و العرق لإزالة التجاعيد.
وتخطُّوا حدود المنطق والمعقول قليلا في بعض الثقافات فكانوا يتناولون ديدان الأرض إعتقاداً منهم أنها تمنع الشيخوخة، وكانوا يستخدمون دماء الحيوانات خاصةً دم الغزال والماشية لإزالة التجاعيد وشد البشرة.
لكننا لم نسمع من قبل أن إمرأة قامت بشرب دماء البشر والإستحمام بداخل الدماء إعتقاداً منها بمساهمة ذلك في منع الشيخوخة، لم نسمع بذلك إلا في روايات مصاصي الدماء لكن … ماذا لو علمتم ان هذا قد حدث من قبل ؟
كونتيسة الدم
إرتبط إسمها بقصص مصاصي الدماء وكانت وما زالت مادةً خام لروايات و أفلام الرعب، شكك البعض في قصتها كلياً معتقداً انها كانت من تأليف إبن عمها الذي كان مديناً لها بكثير من الذهب؛ فيقال أنه أراد أن يتخلص من دينه بأن يلفق لها تهمة بشعة فيتخلص منها للأبد، ولكن هذه الرواية غير صحيحة لكثرة الشهود في المحاكمة التي أقيمت لها والتي تشبه كثيراً محاكمة ريا وسكينة؛ حيث كشفت المحاكمة عن قتلها وتعذيبها لما يقارب ٦٥٠ فتاة فقيرة و٢٥ من نبلاء العائلة المالكة مما يجعل ريا وسكينة في حضرتها هواةً ومبتدأين.
عائلة مشرِّفة
نشأت إليزابيث في عائلة ملكية بإقليم ترانسلفانيا الروماني وليس غريبا أن تكون حفيدة فلاد الثالث(دراكولا) بطل مقالنا السابق ( ما وراء الشر الجزء الأول )، حيث ولدت بعد موته ب١٠٠ عام تقريباً، وكانت العائلة أحد أهم الأسباب في تكوين هذه الشخصية الملعونة، ربما لو ولدتُ أنا في مثل هذه الأجواء لما سلكتُ طريقاً مختلفاً؛ حيث كان للعائلة تاريخ حافل من الإضطرابات العقلية، وكان أبويها أبناء عمومة قبل زواجهم، وحقيقة أن إبن عمها كان رئيس وزراء هنغاريا عززت من نفوذ العائلة وجعلها فوق القانون، أما أخوالها فكان أحدهم من عبدة الشيطان والأخر كان مجنوناً، وكانت عمتها ساحرة وشاذة جنسيا، وشهدت باثوري وهى لا تزال طفلة سارقاً يُعاقَب على فعلته بوضعه داخل معدة حصان، قبل أن يتم خطبتها أخيراً وهى في الخامسة عشر من عمرها لفيرينك ناداسدى والذى كان له فضل عليها أن علمها أساسيات التعذيب التي لم تتعلمها بشكل كامل في بيت عائلتها، فقد كان أكبر منها سناً بعشرة أعوام، وأخيرا إحدى وصيفاتها والتي كانت ساحرة فعلمتها السحر الأسود والتنجيم وأصبحت فيما بعد مساعدتها في مجازرها.
بيت الزوجية
كان ناداسدي فارساً مشهودا له بالقوة والصلابة وبطلاً في القتال حيث قتل الكثير من العثمانيين ولم يلبث معها في قصره كثيراً فكانت باثوري تجلس وحيدة في القصر حتى أصبح لها ثلاثة نشاطات تملأ فراغها؛ أولهما إستخدام الخدم الذكور كعشاق لها حتى أنها هربت مع أحدهم ذات مرة وسامحها زوجها بعد أن قام بإخصاء عشيقها ورميه للكلاب البرية ويقال أنها حمِلت منه بطفل وولدته، ثانيهما زياراتها المستمرة لعمتها الفاجرة كلارا باثوري التي كانت تقيم العديد من الحفلات الماجنة في قصرها، وأخيراً التلذذ بتعذيب خادماتها النساء بشتى الطرق لأن ذلك كان يعطيها إحساساً بجمالها الأخاذ الذي ليس كمثله شئ، فكانت تقف بالساعات أمام المرآة تتأمل قوامها وجسدها، ولكن هذا التعذيب كان لا شئ أمام ما فعلته بعد موت زوجها جراء إصابته في احدى المعارك، كانت تجردهم من ملابسهم وتجلدهم بالسياط فقط قبل ذلك أو ربما تقطع أصابعهن أو توخز الدبابيس في أجسادهن أو تضربهن بشدة، وكل ذلك في غرفة زوجها الخاصة بالتعذيب والتي أصبحت ملكها بعد موته، لكن ما إن مات زوجها تحول القصر لشئ آخر، خاصةً بعد أن أرسلت أُم زوجها وأولادها بعيداً وتفردت بالقصر لنفسها.
الصدفة الملعونة
في البداية كان التعذيب لمجرد الإستمتاع فقط ولكن بعد وفاة فيرنيك ازداد الأمر فظاعةً بعد أن بلغت من العمر ٤٠ عاما وبدأت التجاعيد تظهر على وجهها وأصبحت مستحضرات التجميل لا تجدي نفعا، ما جعلها تبذل جهودا بطرق عدة حتى تحافظ على جمالها ولا يتلاشى أبداً، وظهر الحل بمحض الصدفة عندما سقطت إحدى قطرات الدماء على يدها جراء ضربها لإحدى الخادمات على أنفها بعد أن أخطئت بشد شعر الكونتيسة أثناء تسريحه مما جعل الكونتيسة تستشيط غضبا، وعندما سقط الدم على يدها وفركته لاحظت نعومة يدها كما لم يحدث من قبل وكانت هذه هى بداية اللعنة.
مستحضرات التعذيب
تخيل معي انك حر، تستطيع أن تفعل أى شئ دون أن يحاسبك عليه أحد، فوق القانون، ماذا ستفعل حينها، هل ستتعامى عن هذه الحقيقة وتعيش كما انت أم ستقوم بكل ما أردته يوماً ومنعتك من فعله القوانين، يشبه هذا كثيرا ما حدث مع الكونتيسة، لكن الفارق البسيط أنها ولدت فوق القانون وعاشت فوقه ومع الوقت تعزز بداخلها شعورها بذلك مما جعلها تستخدم خدمها لأغراضها الخاصة، ولأنهم كانوا في عينها مجرد أغراض لم تفكر في الأمر كثيرا، فعندما تسرى بداخل هذه الأغراض مادة حمراء تحافظ على نضارة وقوام البشرة فلماذا لا نأخذ من هذه الأغراض كل قطرة بداخلها من هذه المادة الحمراء ثم نرميها بعيداً ونتحصل على غيرها، بعد ان رأت الكونتيسة بأم عينها تأثير الدماء على يدها قررت أن تستحم فيه فأمرت خادمها الأعرج فيكو ومساعدتها الوصيفة دوركا أن يعلقون هذه الفتاه فوق وعاء الكونتيسة الذي تجلس فيه لتتحمم، فجردوا هذه الفتاه من ملابسها وقطعوا شرايينها وعلقوها بالحبال وتركوها حتى سقطت منها أخر قطرة دم ثم رموها بعيداً ودخلت الكونتيسة لحمامها الخاص والذي أصبح فيما بعد المفضل بعد أن تم تجهيزه، وأصبح هذا الغرض الوحيد الذي تُستخدم فيه الخادمات في قصر الدماء بعد أن يجلبونهم من قرية بها العديد من الفلاحين على سفح الجبل ويغرونهم بأموال طائلة ومبيت مريح في القصر، وفي البداية كانت تدفن ضحايها وتجلب القساوسة للعزاء وتخبرهم أن الكوليرا هى التي أودت بحياتهم، بل وتضع اكثر من جثة بداخل نعش واحد سراً ولكن عندما زاد الأمر عن الحد وتداولت الشائعات توقفت عن ذلك.
جودة الدماء
ظلت الكونتيسة على هذه الحال لعشرة أعوام تقريبا حتى أصبح الدم أقل تأثيراً عندما أصبح عمرها ٥٠ عاما ولكن عقليتها العنصرية سولت لها أن تغير نوع الدماء، فأتجهت للطبقة النبيلة ظنا منها ان دمائهم أكثر جودة من دماء الفقراء وكانت بهذا تكتب النهاية، لأن إختفاء الفقراء لا يثير الجلبة والقيل والقال كما يفعل إختفاء النبلاء، كانت الفتيات النبيلات يقدمن لها ليتعلموا أصول اللباقة والإتيكيت فرأت في ذلك فرصة، ومع الوقت إزدادت الشائعات عما يحدث في قصر الكونتيسة من إختفاء للفتيات فصدر أمر بتفتيش القصر وعندما دخلته القوات ليلاً كان المظهر مرعب؛ دماء هنا وهناك، فتاة معلقة تنزف ولم تمت بعد، وأخرى مجردة من الدم ملقاة على الأرض في ساحة القصر، وقبو ملئ بالفتيات المسجونات حتى يأتي موعد ذبحهن، وآثار عظام ل ٥٠ فتاة خارج القصر، تبين إثر المحاكمة ذكر ٦٥٠ فتاة في دفتر ملاحظتها وحكم علي معاونيها بالإعدام بينما هى لم تحاكم وإكتفى الإمبراطور الذي كان إبن عمها بحبسها في غرفتها وكانوا يجلبون لها الطعام عبر فتحة في الجدار. نعلم جميعا الآن أن الدماء تسخدم للتجميل بشكل عام وللبشرة بشكل خاص ولكن الأمر الآن لا يتم بهذه الوحشية، يتم حقن البلازما الغنية بالصفائح الدموية في الوجه، وهناك العديد من المتبرعين بالبلازما الآن والشركات تعطي أموالاً مقابل التبرع بالبلازما ويتم صنع منتجات دوائية عدة من مشتقات البلازما، ربما تعد الكونتيسة في نظر العلم مكتشفة عظيمة ولكن لا ننسى ان الأمر تم بمحض الصدفة.
ربما لو لم تقم الكونتيسة بكل ذلك لما عرفها التاريخ وتذكرها رغم أن ذلك لم يكن كافياً لإتصافها بالإنسانية، لأن أفكار الكونتيسة كانت مجردة من الإنسانية، بدايةً من إحساسها المفرط بذاتها وجمالها والذي جعلها تمارس الجنس مع خدمها فقط لتشعر بمدى جاذبيتها، مرورا بنوبات الغضب التي كانت تعتليها وتودي بحياة خادماتها جراء الضرب الشديد أحياناً حتى يتفجر الدم من كل ناحية، إنتهاءً بتأثرها بالعنف والعدائية الشديدة التي وجدتها جلية في كل من حولها وأصبحت تقوم بها بلا خجل او إحساس بالخطأ، وكان هذا رغما عنها بعد نشأتها التي لا غبار عليها، ولكن حتى وان تواجدت الأسباب التي خلقت من باثوري هذه الشخصية الوحشية فهذا لا يعفيها ابدا من التهمة ولا يعد مبررا لفظاعتها سواءاً مشاهدتها لمن يكبرها سنا وهو يعامل الخدم بأسوأ المعاملة، او زواجها من رجل سادي لا يملك ذرة من الرحمة كان يقتل العثمانيين بكل وحشية ويعلمها بصورة عملية تعذيب الخدم بينما يشعل قطعة من الورق ويضعها بين أصابع أقدام خدمه أمامها ويضحك، أو وحدتها وإختلاطها بعمتها الماجنة ووصيفتها الساحرة، فأحيانا توجهنا كل الظروف في إتجاه واحد ولكن يظل دائما سلك هذا الإتجاه قرارنا نحن فقط. وعندما تكون صاحبة القرار مريضة نفسياً تكون النتيجة مشابهة لما حدث.
المراجع
– تاريخ التجميل” للكاتبة أليس كوفمان
– “أسرار الجمال عبر العصور” للكاتبة لوسي روبنسون
-“جمال المرأة في العصور الوسطى” للكاتبة ماري كوك
-إليزابيث باثوري : الكونتيسة مصاصة الدماء، آخر تحديث: 2022-01، بقلم : اياد العطار
– Countess Elizabeth Bathory, Psychology, criminal psychology, GradeMiners
– Dennis Bathory-Kitsz (4 يونيو 2009). “Báthory Erzsébet – Báthory Erzsébet: Short FAQ”. Bathory.org.
– “The Plain Story”. Elizabethbathory.net.
– “Countess Elizabeth Bat
hory – The Blood Countess.”The Crime Library.