“متشردا في باريس ولندن” هي واحدة من أوائل الأعمال الأدبية للكاتب البريطاني جورج أورويل، والتي نُشرت لأول مرة في عام 1933. تُعتبر هذه الرواية تسجيلاً حياً لتجربة أورويل الشخصية مع الفقر في هاتين العاصمتين الأوروبيتين (باريس ولندن). من خلال سرد تجربته بأسلوب شبه مذكراتي، يقدم أورويل نظرة شديدة الصراحة على حياة الطبقة الدنيا والعيش على هامش المجتمع.
في باريس، يصف الكتاب حياة أورويل كغسّال صحون في أحد المطاعم حيث يعيش مع سكان العشوائيات ويواجه صعوبات الحياة اليومية بلا مال تقريبًا. وفي لندن، يتحول السرد إلى استكشاف حياة الفقراء والمتشردين والعمل في الأماكن المخصصة للفقراء من المأوى ومواقع العمل المؤقت. يقوم أورويل بتحليل البنى الاجتماعية والاقتصادية التي تسمح بوجود مثل هذه الظروف المزرية وينتقد الافتقار إلى الكرامة الإنسانية التي يختبرها الفقراء.
ما يميز “متشردا في باريس ولندن” هو صدق أورويل وشجاعته في تقديم الوقائع بلا تزيين أو تجميل، وكذلك رؤيته النافذة للطبيعة البشرية. يكتب بأسلوب لا يخلو من الفكاهة السوداء والتعليقات الساخرة، مما يجعل القراءة ممتعة رغم قسوة الموضوعات التي يتناولها.
كما توضح الرواية الفجوة الكبيرة بين الطبقات الاجتماعية وتعري القوانين والنظم التي تفشل في حماية الأكثر عرضة للخطر في المجتمع. يقدم أورويل في هذا العمل إدانة للعدمية الاجتماعية ويسلط الضوء على العواقب الإنسانية للفقر المدقع.
بمرور الوقت، أصبح “متشردا في باريس ولندن” وثيقة اجتماعية مهمة تُظهر لنا جوانب من المجتمع في فترة الثلاثينات من القرن العشرين لا تزال صداها يتردد حتى اليوم. يُعد هذا العمل بمثابة تذكير قوي بأن جورج أورويل لم يكن مجرد روائي وناقد سياسي بارع، بل كان أيضًا مراقبًا للشؤون الإنسانية بقدرة على التعبير عنها بطريقة تلمس القلب والعقل.