in

مغالطة إغفال المقيدات

مغالطة إغفال المقيدات

في حواراتنا اليومية والمناقشات الأخلاقية والسياسية، نعتمد كثيرًا على تعميمات تصف سلوك الناس بشكل عام أو خصائص معينة للأشياء. هذه التعميمات تلعب دورًا محوريًا في كيفية تفاعلنا وتعاطينا مع قضايا الحياة المهمة. لكن، من الضروري أن نتعامل مع هذه التعميمات بيقظة وندرك أن هناك دومًا استثناءات قد تبرز نتيجة ظروف خاصة ومعطيات محددة لا تلتزم بالقاعدة العامة.

عندما نطبق تعميمًا عامًا على حالة لا تندرج تحته بشكل صحيح، نرتكب ما يُعرف بـ “مغالطة العَرَض”، وهي خطأ منطقي ناتج عن تجاهل الشروط الخاصة التي يشترطها التعميم. بالمثل، عندما نأخذ مبدأً صالحًا في حالة استثنائية ونطبقه على جميع الحالات، نقع في “مغالطة العَرَض المعكوس”. الخطأ في كلا الحالتين يكمن في عدم مراعاة القيود أو الشروط المصاحبة للتعميم والاستخدام الغير مدروس له كقاعدة مطلقة.

هناك نوعان من التعميمات يجب التمييز بينهما:
1. “التعميم الشامل”، الذي لا يقبل أي استثناءات ويمكن دحضه بمثال واحد مضاد.
2. “التعميم القابل للإبطال”، الذي يسمح بوجود استثناءات ويتماشى مع وجود أمثلة مضادة محددة.

معظم المبادئ والقوانين التي نتبعها، سواء أكانت أخلاقية، اجتماعية، أو حتى الأمثال الشعبية، تندرج تحت النوع الثاني، وهي قواعد مرنة تُستخدم كأدوات لتوجيه تصرفاتنا وليس كقوانين جامدة تحكمنا.

في الواقع، حتى القواعد التي نعتبرها أساسية وثابتة في الحياة اليومية تُبنى على التجارب المتاحة وتخضع للسياق الثقافي والبيئي. مثلاً، القول بأن “معظم الطيور تستطيع الطيران” هو تعميم مبني على المشاهدات المعتادة، وقد ينقلب الأمر في بيئة حيث طيور البطريق هي الغالبة.

تُعلّمنا التجربة أنه لا يوجد تعميم محصن ضد الاستثناءات. في القانون، على سبيل المثال، نجد أن القواعد تُطبق في معظم الأحيان لكن تظل هناك حالات خاصة تُعتبر استثناءً من القاعدة. مثل القاعدة التي تستبعد شهادة السماع، إلا أن هناك استثناءات مثل إذا كان الشاهد يتحدث ضد مصلحته الشخصية.

وكما يُظهر سقراط في محاورة “يوثيديموس”، حتى الحقائق الأخلاقية التي نعتبرها مُسلّمة، مثل أن الخداع خطأ، قد تجد استثناءاتها في حالات خاصة حيث يُمكن أن يُبرر الخداع لأغراض أعلى مثل إنقاذ الأرواح.

أمثلة من مغالطة العرض المباشر

تتألف حياتنا اليومية من تعميمات واسعة نستخدمها لتسهيل فهم العالم من حولنا واتخاذ قراراتنا. هذه التعميمات مفيدة، ولكن يجب الانتباه إلى أنها قد لا تنطبق بشكل دقيق على كل المواقف، لأن الاستثناءات والظروف المحيطة تغير من معناها ومنطقية تطبيقها.

على سبيل المثال، تستخدم سيارات الإسعاف صفارات الإنذار لتبرير كسرها الإشارة الحمراء وذلك في سبيل تقديم الإسعافات العاجلة. ومن غير المنطقي تطبيق القواعد العامة كالمنع من الذهاب إلى الحمام في المدرسة على طالب يعاني من نزيف حاد، إذ هناك حاجة للتدخل الفوري.

وكذلك، القوانين المرورية تمنع تجاوز السرعة، لكن سيارات الشرطة قد تحتاج لتجاوز هذه الحدود لأداء وظائفها الطارئة. أما في المجال الطبي، فقطع الجراحين لأجساد الناس بالسكين يكون في سياق إجراء عمليات جراحية لا للإضرار بهم، مما يخرجهم من دائرة الإجرام.

أفلاطون في “الجمهورية” يتناول مغالطة العرض بذكاء عندما يناقش مسألة العدالة، حيث يشير إلى أن الصدق والوفاء بالدين قد لا يكونان صحيحين في بعض الظروف الاستثنائية، كما لو طلب منك شخص مختل عقليًا استرداد سلاح خطير قد يستخدمه للأذى.

المغالطة في تطبيق التعميمات تظهر أيضًا في مواقف أخرى، كالأمر بعدم الكذب حتى لو كان الصدق قد يؤدي إلى خطر جسيم، أو تطبيق قاعدة عدم القتل على حالات يكون فيها القتل دفاعاً عن النفس أو البيت.

وفي المجال السياسي، ليست الديمقراطية تعني بالضرورة منح حق الاقتراع للجميع بلا استثناء، إذ قد توجد ضوابط وشروط محددة للأهلية. والحرية في التعبير عن الرأي تقتضي مسؤولية وحكمة في استخدام هذا الحق، لذا فإن استغلالها لبث الذعر بلا سبب في مسرح مزدحم يُعد استخدامًا خاطئًا لهذه الحرية.

التعميمات تتطلب منا استخدام الحكمة والتبصر، فليس كل

تعميم يناسب كل حالة. الأسبرين قد يكون مفيدًا لبعض مرضى القلب، لكنه قد يضر آخرين لديهم قرحة معدية، مما يُظهر الحاجة إلى التفكير النقدي والتمييز بين القواعد والاستثناءات.

أمثلة لمغالطة العَرَض المعكوس

الحياة مليئة بالظروف التي تدفعنا أحيانًا للتعميم بطريقة مضللة، مما قد يؤدي إلى ما يُعرف بمغالطة العَرَض المعكوس، حيث نأخذ حالة خاصة ونعممها على الجميع بطريقة لا تُمثل الواقع بشكل صحيح.

فعلى سبيل المثال، وجود الزهور في الصحراء لا يُعتبر بالضرورة مؤشرًا على أن الصحراء بيئة مثالية للزراعة. ولا ينبغي أن يُستنتج من السماح لمرضى في مراحل متقدمة بتناول المورفين أنه يُمكن لأي شخص تناوله دون تقييد.

كما لا يجوز أن نعمم استثناء حصل لطالب تعرض لحادث لنسمح لكل الطلاب بتأخير تسليم الأبحاث بناءً على ذلك. وليس من الحكمة اعتبار حالة شخص يتمتع بمستوى كوليسترول منخفض رغم استهلاكه الدائم للأطعمة الدهنية كدليل على أن تلك الأطعمة لا تؤثر سلبًا على الصحة.

وفيما يخص الماريجوانا الطبية، فإن إباحتها للمصابين بالجلوكوما لا يعني أن استخدام الماريجوانا يجب أن يُسمح به للجميع بلا قيود.

يتطلب الفهم الدقيق لهذه المسائل نظرة أكثر تعقيدًا وتمحيصًا لا تقتصر على الأمثلة الفردية. فالقواعد والأحكام تخضع للسياق والظروف المحيطة، ويجب أن نتجنب إسقاط حالات فردية على المجموع بشكل عشوائي. من المهم النظر إلى كل حالة بمعزل والتمييز بين الظروف الخاصة والقواعد العامة لنتوصل إلى تفسيرات وحلول عادلة ومعقولة.

Avatar for فكر حر

كُتب بواسطة فكر حر

التعليقات

اترك تعليقاً

Avatar for فكر حر

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Loading…

0