in

مغالطة التركيب والتقسيم

مغالطة التركيب والتقسيم

في علم المنطق، تُعرف مغالطة التركيب والتقسيم بأنها استنتاجات خاطئة تنشأ من تعميم خصائص الأجزاء على الكل أو العكس. هذا النوع من المغالطات يظهر عندما ننتقل من الخصائص الخاصة بالمجموعات إلى خصائص الأفراد التي تتكون منها تلك المجموعات، أو الانتقال من خصائص الأفراد إلى الكليات التي يشكلونها.

مغالطة التركيب

تحدث هذه المغالطة عندما نفترض بطريقة خاطئة أن ما ينطبق على الأجزاء ينطبق أيضًا على الكل. على سبيل المثال، نجد في عالم الرياضة مدربين يجمعون لاعبين متميزين فرديًا بأمل تشكيل فريق قوي، لكن قد يفشل الفريق في تحقيق النجاح المتوقع لأن النجاح الجماعي يعتمد على عوامل أكثر من مجرد مهارات فردية.

تنطبق هذه المغالطة أيضًا في مجال الموسيقى حيث يجتمع عازفون ماهرون في أوركسترا لكنهم قد لا ينجحون في تقديم أداء متناسق بسبب عدم توافق أداءاتهم. وفي العمليات العسكرية، قد يفترض القائد أن جمع الجنود الأقوياء سيُنتج وحدة قتالية فعالة، ولكن القوة الحقيقية للفوج تأتي من التنسيق والانسجام بين أفراده.

مغالطة التقسيم

هي النقيض، حيث يُفترض خطأً أن خصائص الكل تنطبق على كل جزء من أجزائه. مثل افتراض أن إجراءات الدعم الحكومي التي تفيد قطاعات محددة يمكن أن تفيد الاقتصاد بأكمله إذا تم توسيع نطاقها. هذا التفكير يغفل أن الفوائد التي تعود على قطاعات محددة لا تعني بالضرورة فوائد مماثلة على مستوى الاقتصاد الكلي.

تشير هذه المغالطات إلى ضرورة التحقق من صحة الاستنتاجات بناءً على العلاقات السليمة بين الأجزاء والكل. إن فهم هذه الأخطاء المنطقية مهم لتجنب الوقوع في التفكير الخاطئ الذي يمكن أن يؤدي إلى قرارات غير فعالة في مختلف مجالات الحياة.

متى يكون الانتقال من خصائص الأجزاء إلى خصائص الكل مشروعًا؟

في بحثنا المستمر لفهم كيفية التفكير المنطقي، نجد أن الانتقال من خصائص الأجزاء إلى خصائص الكل يكون مناسبًا وصحيحًا في العديد من الحالات، خاصة عندما يُعنى بتجنب الخطأ في التحليل والنقاش. دعونا نستعرض بعض الأمثلة الدقيقة التي توضح هذا الانتقال الصحيح:

على سبيل المثال، إذا كان كل جزء من هذا الكرسي مصنوعًا من مادة بيضاء، يمكننا القول بأن الكرسي بأكمله أبيض. وإذا كانت كل قطعة من هذا الجلباب مصنوعة من القطن، فإن الجلباب بأكمله قطني. كذلك، إذا كان كل جزء من هذه الآلة مصنوع من الحديد، فمن الطبيعي أن نستنتج أن الآلة بأكملها حديدية.

ما يربط بين هذه الخصائص — اللون الأبيض للكرسي، والمادة القطنية للجلباب، والتركيب الحديدي للآلة — هو أن هذه الخصائص كلها مطلقة ولا تتطلب مقارنة مع معيار خارجي. هذه الخصائص مستقلة عن البنية ولا تنطوي على تقييم نسبي.

الخصائص المطلقة، مثل الألوان أو المادة المصنوع منها شيء ما، لا تعتمد على البنية وهي صريحة وواضحة، مثل الأبيض، الأحمر، أو القطني. أما الخصائص النسبية مثل الوزن أو الحجم، فهي تحتاج إلى مقارنة بمعيار محدد وتعتمد على البنية.

الفهم الدقيق لهذه الأمثلة يساعدنا في تمييز الحالات التي يكون فيها الانتقال من الأجزاء إلى الكل أو العكس مشروعًا. ويقودنا ذلك إلى استنتاج أنه يمكن القبول بالانتقالات الاستدلالية فقط عندما تكون الخصائص مطلقة ومستقلة عن البنية، بينما يميل الانتقال بخصائص أخرى إلى الوقوع في مغالطات التركيب والتقسيم.

أمثلة أخرى لمغالطة التركيب

لنعتبر مفهوم التركيب والتقسيم كأحد أبرز الدروس في مجال المنطق والفكر النقدي. هذا المفهوم يلقي الضوء على الطريقة التي يمكن أن تؤدي بها الاستنتاجات السريعة وغير المفحوصة إلى الوقوع في أخطاء معرفية. ويشمل ذلك الخطأ في تحويل خصائص جزئية إلى عمومية أو العكس.

لنأخذ مثلاً عبارة “كل جزء من هذه الآلة خفيف”، ومن ثم استنتجنا أن “الآلة بأكملها خفيفة الوزن”. واضح هنا أن الانتقال من خصائص الأجزاء إلى خصائص الكل قد يكون مُضللاً؛ إذ قد يكون كل جزء خفيفًا لكن تجميعها يخلق وزناً كبيراً لا يعكس خفة الأجزاء الفردية.

وعندما نفكر في عقار مكون من مواد رخيصة، لا يمكننا الجزم مباشرة أن العقار بأكمله رخيص؛ فقد تضاف قيمة للتصميم، الإنشاء، والموقع. وعندما ننظر إلى الأرقام، نجد أن تسلسل “١، ٣” يتألف من أرقام فردية، ولكن مجموعهما “٤” ليس بعدد فردي. وهذا يبرهن على أن الاستنتاج الذي يعتمد على التحليل المبسط قد يكون مغالطة.

فيما يتعلق بالذرات وألوانها، نعلم أن الذرات قد تكون بلا لون لكن الأجسام التي تتكون منها، مثل الكرة، تظهر بألوان مختلفة. هذا يدل على أن الجزئيات لا تُظهر دومًا خصائص الأجسام المكوّنة منها.

وإذا نظرنا إلى المركبات الكيميائية مثل الصوديوم والكلور، فإنهما سامان بمفردهما لكن مع اتحادهما يشكلان ملح الطعام الذي هو ضروري للبشر. ومن هنا نستنتج أن الخصائص يمكن أن تتغير جذريًا عندما تتحد العناصر لتشكيل مركب جديد.

كذلك الفيل الذي يأكل أكثر من الفأر بأضعاف، لا يعني هذا أن مجموع الفيلة على الأرض يأكل أكثر من مجموع الفئران. وهذا يبرز الخطأ في الاستدلال على الأكل الكلي بناءً على استهلاك الأفراد.

مغالطة التركيب ليست مقتصرة على الجوانب الفيزيائية فحسب، بل تمتد أيضًا إلى المحكمة العليا حيث قد يكون لكل عضو تحيزاته الشخصية ولكن قرارات المحكمة تعكس غالبًا توازنًا وتنوعًا لا يُمكن فهمه من خلال النظر إلى العناصر الفردية وحدها.

وفي النهاية، تُعتبر الضرائب مثالاً حيًا؛ فقد تستفيد بعض الصناعات من فرض التعريفة الجمركية، ولكن تعميم هذا الفائدة على جميع السلع قد لا يعود بالفائدة المرجوة على المجتمع ككل. فقد ينتهي الأمر بزيادة الأسعار على المستهلكين بشكل عام، مما يؤدي إلى آثار سلبية على الاقتصاد الكلي.

في نهاية المطاف، مغالطة التركيب والتقسيم تُذكّرنا بضرورة التفكير النقدي والتحليلي الدقيق قبل القفز إلى الاستنتاجات.

figure

مغالطة التقسيم

في عالمنا المعاصر، يغدو فهم أساسيات المنطق الصحيح واستخدامها بشكل يومي ضرورة لا غنى عنها، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالحجج والنقاشات. لنأخذ مثلاً مغالطة التقسيم، وهي تحليل خاطئ يُحيل خصائص المجموع على كل فرد فيه، أو يستنتج عن كل فردي خصائص المجموع، وهي بذلك تعكس مغالطة التركيب.

مثال على هذا النوع من المغالطات هو عندما ننظر إلى مؤسسة تعليمية تتمتع بسمعة جيدة في تخصصات معينة، ومن ثم نعمم هذه السمعة على كل فرد ينتمي لها، وكأن كل فرد يحمل نفس المستوى من التميز، وهذا ليس بالضرورة صحيحًا.

كذلك نجد أننا قد نستنتج خطأً أن الآلة الثقيلة تعني بالضرورة أن كل جزء فيها ثقيل، أو أن غرفة الطالب في سكن جامعي ضخم تكون بالضرورة كبيرة الحجم، وهذا يغفل تفاصيل قد تؤدي إلى فهم خاطئ للواقع.

وفي حالة تصنيف “الكل”، سواء كان كلًّا تركيبيًا يحوي ترابطًا وبنية محددة أو كلًّا تراكميًا يتشكل من مجرد تجمع عناصر، يجب أن نميز بين الانتقال الصحيح والخاطئ من الخصائص الجزئية إلى الكلية أو العكس.

في بعض الأحيان، قد تستخدم مغالطة التقسيم لإضفاء الجدارة أو العيب على أشخاص بناءً على مجموعهم أو انتمائهم لفئة معينة، دون النظر إلى الفروق الفردية والخصوصية التي يمتلكها كل فرد.

من هنا، نرى أهمية التمييز بين ما هو فردي وما هو جماعي، وعدم الخلط بينهما، فهذا يعد جزءًا أساسيًا من التفكير النقدي والمنطقي. ولتبسيط الفكرة، فإن العبرة تكمن في أن الفروق الفردية داخل أي مجموع لا تسقط بالضرورة عند النظر إلى المجموع ككل، والعكس صحيح.

أمثلة أخرى لمغالطة التقسيم

1. العدد 4 هو عدد زوجي؛ لذا نقول أن العددان 1 و3، اللذان يُشكلان العدد 4، هما أيضاً عددان زوجيان.

2. الكرة لونها أزرق؛ إذاً، يجب أن تكون الذرات المكونة للكرة زرقاء اللون كذلك.

3. الخلية حية وتُعتبر مادة عضوية؛ بناءً على ذلك، يجب أن تكون المواد الكيميائية المُكوِّنة لها مواد عضوية أيضاً.

4. كلوريد الصوديوم (ملح الطعام) يُعتبر مادة صالحة للأكل؛ لذا، من المفترض أن كل من الكلور والصوديوم المكونان له صالحان للأكل.

5. القنابل التقليدية أحدثت دماراً أكبر من الذي أحدثته قنبلتا هيروشيما وناجازاكي؛ بناءً على ذلك، يُقال أن القنبلة التقليدية أكثر تدميراً من القنبلة النووية.

6. هذا الجدار القرميدي طوله عشرة أقدام؛ من ثم، قوالب القرميد المكونة لهذا الجدار يجب أن يكون طولها عشرة أقدام أيضاً.

7. المخ يمتلك قدرة على التفكير والوعي؛ بناءً على ذلك، كل خلية في المخ يجب أن تكون قادرة على التفكير والوعي.

8. مجلس الوزراء يظهر تردداً في اتخاذ القرارات؛ إذن، كل وزير على حدة متردد في اتخاذ قراراته.

9. النمل قادر على تدمير شجرة؛ لذا، كل نملة فردية يجب أن تكون قادرة على تدمير شجرة.

10. الشعراء في مصر في طريقهم إلى الانقراض؛ بالتالي، الشاعر مسعد عبد العاطي في طريقه إلى الانقراض أيضاً.

Avatar for فكر حر

كُتب بواسطة فكر حر

التعليقات

اترك تعليقاً

Avatar for فكر حر

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Loading…

0