in

مغالطة السؤال المُركب

مغالطة السؤال المُركب

في أحد الأمثلة الشائعة للأسئلة المحمّلة، وُجِّه سؤال لفيلسوف في محاولة لإحراجه: “هل انتهيت من ضرب والدك؟”، ليجد الفيلسوف نفسه أمام خيار صعب، فأي إجابة يقدمها ستجعله يبدو كمن اعتاد على ضرب والده، ما يضعه في موقف محرج بغض النظر عن محتوى الجواب.

تأمل قبل الرد … فكّك السؤال قبل الإجابة عليه.

يُعرف السؤال المحمّل أو المركّب بأنه طريقة لطرح سؤال يحمل في طياته افتراضات مسبقة غير موضوعية ولا تُمثل بالضرورة وجهة نظر الشخص المستهدف بالسؤال. تتضمن هذه الطريقة فخاً يجبر المجيب على قبول هذه الافتراضات عند محاولته الإجابة بشكل مباشر. النموذج الأشهر لهذه المغالطة يتمثل في السؤال: “هل توقفت عن ضرب زوجتك؟”

بصرف النظر عن الجواب، نعم أم لا، يُظهر المُجيب بذلك قبوله للفرضية الكامنة في السؤال، وهي أنه كان في وقت ما يمارس العنف ضد زوجته. إذا كان هذا الافتراض كاذبًا أو لم يُثبت بعد، فإن هذا يُعد مثالًا على مغالطة السؤال المحمّل. هذا النوع من الأسئلة يشبه اللغم؛ لأنه يُقيّد المُجيب بخيارات إجابة محدودة، تُضعف موقفه في النقاش.

نموذج آخر للسؤال المُحمّل:

“متى كانت آخر مرة استخدمت فيها المخدرات؟”

يُشير هذا السؤال إلى افتراضات غير مثبتة ويجبر المُستجوب على قبول هذه الافتراضات دون دليل. يُعتبر هذا النوع من الأسئلة نموذجًا لما يُسمّى “مصادرة على المطلوب”، حيث يفترض السؤال إجابات محددة لأسئلة لم يتم طرحها بعد. لا يمكن الرد على هذا السؤال ببساطة بـ “نعم” أو “لا”، فهو ليس سؤالًا واحدًا بسيطًا، بل مجموعة من الأسئلة المعقدة المدمجة في سؤال واحد.

من المقبول في بعض الأحيان اللجوء إلى بعض الحيل اللفظية لكشف الحقائق خلال التحقيقات، حيث يتبع المحققون استراتيجية معينة لاستخلاص الاعترافات من المشتبه بهم. يمكن أن يطرح المحقق، على سبيل المثال، أسئلة من قبيل: “أين قمت بإخفاء الأدلة؟” أو “كيف أخفيت المبالغ المالية التي اختلستها؟” أو حتى “ما الدافع وراء تزويرك لتلك الوثائق؟”

الطريقة المثلى للرد على هذا النوع من الأسئلة الخادعة هي بتجزئتها وتحليلها إلى عناصرها الأساسية، ثم الإجابة عن الافتراضات المضمرة فيها بشكل مباشر أو نقدها أو دحضها. باتباع هذا الأسلوب، يفقد السؤال الأصلي قوته ويتلاشى.

أحيانًا يمكن أن يشتمل سؤال واحد على جزأين مرتبطين بواسطة حرف عطف، وكأن هناك علاقة ضرورية بينهما تفرض على المُجيب قبولهما أو رفضهما معًا، في حين أن أحد هذين الجزأين قد يكون مقبولًا لدى المُجيب بينما الآخر لا يحظى بقبوله!

أمثلة:

تتجلى بعض المواقف في طرح أسئلة تضمنت فروضًا متعددة ضمنيًا، مطالبة بإجابة واحدة شاملة، الأمر الذي يوقع الإنسان في حيرة أو يجبره على القبول بأمور لم يكن ليوافق عليها بشكل مستقل. إليك بعض الأمثلة التي توضح هذا النوع من التلاعب اللفظي:

  1. هل تؤمن بتخفيض الضرائب وتحسين معيشة الناس؟
  2. هل أنت من مؤيدي الحريات الفردية بما فيها حق حمل السلاح؟
  3. هل تعتقد أن الأسواق الحرة هي مفتاح الازدهار العالمي؟
  4. هل تؤيد تلك القانون الذي يضمن حرية الصحافة ويعاقب على الأقوال المفسدة للسلم الأهلي بالسجن؟
  5. هل أنت مع رفع كفاءة التعليم العام وتحسينه؟
  6. هل تفضل تعلم الموسيقى على حساب ضياع الوقت؟
  7. هل أنت من أشعل شرارة الإضراب في مكان العمل؟

تحمل هذه الأسئلة في طياتها افتراضات مسبقة تقود إلى استنتاجات محددة، بحيث يصبح الرد عليها بالإيجاب أو النفي مدعاة للقبول بكل ما تضمنه السؤال من فروض، وذلك يعرض المجيب لتناقضات محتملة مع مواقفه الحقيقية.

الهيكل المنطقي لهذه الأسئلة يكون على الشكل التالي:

هل أنت موافق/تؤيد/ترغب في “أ” و”ب” (و”ج” و”د” إلخ)؟

بينما ينبغي أن تُطرح بشكل منفصل كالآتي:

هل ترغب في “أ”؟ هل توافق على “ب”؟ وهكذا.

إذا كانت العناصر “أ” و”ب” مترابطة بشكل جوهري، فلا وجود لمغالطة. لكن إذا كان بالإمكان الإجابة على كل جزء من السؤال بصورة مستقلة، فنحن أمام مغالطة تُعرف بـ”السؤال المركب”.

يشدد الفيلسوف الأمريكي المرموق جون سيرل على أهمية تفكيك وفحص السؤال الفلسفي بعناية فائقة قبل الخوض في محاولات الإجابة عنه. يرى سيرل أن الإسراع في مناقشة النقاط الفلسفية دون تقييم مسبق لمكونات السؤال وافتراضاته قد يقود إلى الالتباس والأخطاء المنطقية، وبالتالي، لن يسهم ذلك في التوصل إلى حلول جذرية للمعضلات الفلسفية. يوضح سيرل في أحد مؤلفاته، وبالتحديد في “الوعي واللغة”، أنه يفضل أن يبدأ أي عمل فلسفي بتحليل شامل للسؤال نفسه، مستكشفًا إن كان مبنيًا على اعتقاد مغلوط، أو إن كان يضع المسألة ضمن فئة تصنيفية غير مناسبة، أو ربما كانت المفاهيم المستخدمة غير واضحة بما فيه الكفاية. يعتقد سيرل أن القضايا الفلسفية تتطلب بشكل خاص تدقيقًا وإعادة هيكلة دقيقة لضمان إيجاد حلول مناسبة لها.

Avatar for فكر حر

كُتب بواسطة فكر حر

التعليقات

اترك تعليقاً

Avatar for فكر حر

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Loading…

0