in

نسخة طبق الأصل

عبدالرحمن محمود فراج

“كل العائلات السعيدة تتشابه، لكن لكل عائلة تعيسة طريقتها الخاصة في التعاسة”

وأنا افكر في العلاقة الزوجية بين التشابه والإختلاف،

دائما ما تقفز إلي ذهني تلك المقولة التي جاءت علي لسان أحد ابطال رواية ” آنا كارنينيا ” للكاتب الروسي الرائع ليو تولستوي ،

واتسائل داخل رأسي هل السعادة بين الزوجين تتوقف علي التشابه والإختلاف ؟ أم أننا نشعر أن الزوجين متشابهين حين نراهم معاً سعداء !؟

هل الزواج او الدخول في علاقة ما مع شريك متشابه في ( العمل في الهوايات في طريقة التفكير والتعامل مع الحياه ) أفضل ام انها كما نردد دائما بأن الأقطاب المختلفة تتجاذب بينما المتشابهه تتنافر !؟

مؤخراً أنهيت قراءة مذكرات الفنانة مارلين مونرو والتي تحمل عنوان “قصتي” ، ولفت أنتباهي كثيراً تلك العلاقة التي نشأت بينها وبين الكاتب الأمريكي

” أرثر ميلر “، والتي إنتهت في سنة 1956م بالزواج والذي إستمر لمدة خمس أعوام فقط .

لفت إنتباهي ذاك الأختلاف بين الشخصيتين، فمارلين مونرو ليست بثقافة ميلر ولا هدوءه، فقط إمرأة فاتنة يتمني كل رجل مجرد الأقتراب منها، بينما أرثر مختلف كل الأختلاف كذلك عن مونرو، يقضي معظم وقته في القراءة، والتنقل من كتب الأدب لكتب التاريخ والشعر والمسرح .

ولعل هذا الأختلاف بين الشخصيتين هو الذي دفعهما إلي محاولة الأقتراب من بعضهما، بل وتشارك الإهتمامات،

فبدأ ميلر بحضور الحفلات والسهرات الصاخبة التي تحضرها مارلين، في حين أن مارلين بدأت تهتم بتثقيف نفسها، وقراءة كثير من الكتب في مجالات التاريخ والشعر والرواية وعلم النفس .

ولكن علي الرغم من محاولة مارلين وأرثر، ملئ تلك الفجوات المختلفة بينهما، إلا أن الإختلاف في أسلوب الحياة ، وفي طريقة التفكير ، بل وفي التعامل مع الأزمات كان أكبر من تلك المحاولات، التي إنتهت بالفشل لينتهي معها الزواج الذي إستمر لخمس سنوات فقط ، ولم تشفع كل تلك المحاولات ،حتي جمال مارلين مونرو لم يشفع لإنجاح العلاقة، وعلي الجانب الآخر لم تشفع كذلك ثقافة ميلر في إنجاحها او علي الأقل إطالة مدة الزواج أعوام أخري .

ربما هذا ينقلنا إلي فكرة التكافؤ في الزواج لا أقصد التكافؤ من الناحية المادية والإجتماعية، وإن كانت السينما تناولته بشكل أبرز عن طريق العديد من الأفلام، ربما لأنها تعتقد أنها المشكلة الأصعب التي تهدد إي استمرار بين علاقتين، متجاهلة التكافؤ من الناحية الفكرية والثقافية، والذي في وجهة نظري لا يقل أهمية عن ذاك التكافؤ من الناحيتين المادية والإجتماعية إن لم يكن الأهم .

دعنا نتخيل زوجان مختلفان في الهوايات في طريقة التفكير ، وبعد يوم عمل مجهد يجلس الزوج ليستمع إلي أغنية يحبها او مشاهدة مسرحية، او فيلم، او ممارسة هوايته ،

لكن الزوجة لا تشاركه كل هذا لأن هوايتها أن ترسم وتتركه وحيداً، وفي إنطباعها ان ما يقوم به زوجها مجرد تضيع للوقت، وعلي الجانب الأخر لا يهتم الزوج بهوايات زوجته التي تعرض عليه أحد رسوماتها او كتابتها فلا تجد منه سوي أن ما تفعله كذلك مضيعة للوقت وشيئ تافه لا قيمة له .

أتذكر منذ سنوات حين جمعتني علاقة صداقة بأحد الفنانين التشكيليين، حكي لي عن كيف أن زوجته تري ما يرسمه شيئاً عادياً !

بينما كان هو يشرح لها المدراس الفنية ويحكي لها عن السريالية وعن سلفادور دالي، وعن رسومات رامبرانت ورافاييل ودافنشي، ويحاول ان يوضح لها الفروق بين الظل والضوء والبعد،

بينما يحاول أن يشرح لها كل هذا، قامت بتركه مسرعة لأن موعد المسلسل الذي تتابعه قد بدأ، وتركته وحيدا وسط لوحاته ووسط تساؤلاته:

ماذا لو تزوج من إمرأة تقدر وتعرف قيمة الفن وقيمة ما يحكيهِ لها، أي غربة تلك التي ألقي نفسه بها !؟

أذكر وقتها اني سألته لماذا لا تفكر بأن زوجتك كذلك أمام التلفاز تتسأل ماذا لو تزوجت من رجل يشاركها إهتمامتها، ولو كانت في نظرك مجرد إهتمامات تافهه!؟

أعرف بأن الحياة الزوجية ليست بالطبع بهذا الفراغ وسط حجم المسؤليات والإلتزامات، وضغوط الحياة اليومية، ولكن إذا كانت لحظات الفراغ التي من المفترض ان تجعلنا نتشارك هوايتنا ونستمتع معاً، ألا يجعلنا هذا نفكر في شريك حياة، متشابه معنا او علي الأقل يشبهنا كثيراً .

لكن لنكن منصفين بعض الشيء هل دائماً ما يكون التشابه الفكري والثقافي، او التشابه بشكل عام في نطاق العمل والحياة وطريقة التفكير هو الحل لحياة زوجية سعيدة! ؟

أعتقد أن الأمر ليس بهذه الدرجة، خاصة وانا أتامل العديد من العلاقات بين الفنانين والتي رغم التشابه الكبير بينهما في طريقة الحياة، وفي اسلوب العمل، انتهت بالإنفصال رغم قصة الحب الكبيرة، ورغم التشابه في نفس الهوايات ونفس الإهتمامات، ربما هذا التشابه لدرجة التطابق يؤدي بنا في النهاية إلي الملل، وأننا في أحيان كثيرة نحتاج إلي الإختلاف والتنوع بنفس الحاجة إلي الإتفاق والإندماج .

في النهاية ما أريد قوله :

أن العلاقات الزوجية مثل بصمات الأصابع تختلف كل منها عن الأخري، ولكل علاقة ظروفها الخاصة التي تختلف بإختلاف الأشخاص ومدي قدرتهم علي التكيف والتأقلم وتجاوز اي مشاكل ومدي فهمهم لفكرة الحب بعيداً عن التشابه او الإختلاف ، او بعيد عن فكرة محاولة الاقتراب لنكون نسخة واحدة متشابهة في كل شيئ، وانه كما يقول فيلم ” نسخة طبق الأصل ” للمخرج الإيراني ” عباس كياروستمي ”

“لا يوجد ما قد يُبقي على زواج قائما سوى الاهتمام، الاهتمام والوعي، الوعي بأن كل شيء يتغير، وحتى الوعود لن توقف ذلك التغيير، أنت لا تتوقع من شجرة أن تعدك بأنها ستُبقي على أزهارها بعد مرور الربيع، فتلك الأزهار تتحول بعد ذلك لثمار بعدها، ستفقد الشجرة ثمارها، لكن للأشجار العارية أيضا جمالها الخاص”.

Avatar for عبدالرحمن محمود فراج

كُتب بواسطة عبدالرحمن محمود فراج

كاتب وشاعر

التعليقات

اترك تعليقاً

Avatar for عبدالرحمن محمود فراج

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Loading…

0