كشفت لنا كورونا العديد من الحقائق عن دولنا العربية، فقد أتبتث هذه الدول أنها مستعدة للتضحية بجزء كبير وهام من اقتصادها من أجل الحفاظ على سلامتنا، وقد شاهدناها تسرع في اتخاد القرارات السياسية المهمة من تخصيص ميزانية معينة للتقليل من الأزمة الاقتصادية، إلى تخصيص ميزانية للتصدي لوباء كورونا سواء في المجال الصحي أو في ما يتعلق بتمويل المواطنين الذين فقدوا العمل بسبب الحجر الصحي.
وطبعا لا يجب أن ننسى أيضا كمية الفيديوهات والبلاغات الصحفية والرسمية التي انكبت فجأة على جميع المواطنين، فيها ما هو توعوي للوقاية من الإصابة بفيروس كورونا، وفيها ما هو ضروري كالالتزام بالحجر الصحي وعدم الخروج من المنزل إلا للضرورة … وغيرها من التدابير. وقد خصصت العديد من القنوات التلفزية المحلية لكل دولة، جزء كبير من وقتها للإجابة على الأسئلة المتعلقة بفيروس كورونا، وشاهدانها فجأة تتكلم مع شعوبها آملة منه الاستماع إليها والثقة في الالتزامات التي اتخذتها، وأن هذه التدابير اتخدت من أجلنا ومن أجل الحفاظ على سلامتنا.
والنتيجة طبعا كانت في غاية الإحراج، فقد امتثل جزء صغير من المواطنين لهذه التدابير، أما الجزء الآخر فقد انقسم إلى عدة أقسام، منه من أنكر وجود فيروس كورونا معتبرا أن هذا الفيروس ماهو إلا مؤامرة، وقسم آخر قرر أن يصدق ما يراه في الإعلام من مواقع التواصل الاجتماعي بدل الثقة في الدولة. وطبعا لا ننسى أن قسم كبير من هؤلاء الناس، لا يستطيعون لعدة أسباب، خاصة الأسباب المالية، المكوث في المنزل وعدم الخروج.
فأصبحت الدولة مرة أخرى، تحارب من جهة من أجل توعية المواطنين بالإلتزام بالحجر الصحي، ومن جهة أخرى من أجل التصدي لفيديوهات الأخبار الزائفة التي أغرقت قطرة الأخبار الحقيقية في محيط شاسع، واعتُقل الكثير من مروجي هذه الأخبار بشكل سريع وصارم لم نشاهد مثله من قبل.
وفي نفس إطار الأخبار الزائفة، ظهر تيار ديني من فيديوهات ومقالات لبعض الشيوخ، ذاكرين فيها أن المساجد يجب أن لا تغلق وأن الدولة التي تغلق فيها المساجد هي دولة كافرة، وكانت النتيجة أن بعض المواطنين اجتمعوا خلف أبواب المساجد المغلقة من أجل أداء الصلاة، متجاهلين بذلك الالتزامات التي قررتها الدولة، وواضعين صحتهم وصحة أسرتهم في خطر الإصابة بفيروس كورونا.
إن التدابير التي اتخدتها دولنا العربية كانت تدابير سريعة وصارمة، ولكن المشاكل التي انكشف عنها الستار بعد قرار هذه التدابير كان لها خطر كبير على الدولة أولا من الناحية الاقتصادية، ثم على الأمن العام، وعلى المجال الصحي الذي سينهار بعدم اتخاد المواطنين لهذه التدابير.
ما بعد كورونا
يجب على الدول العربية بعد انتهاء جائحة كورونا أن تعيد التفكير في تصحيح هذه الأخطاء وعدم ارتكابها مجددا، ليس فقط من أجل تجنب جائحة أخرى مستقبلا، بل لأن هذا هو التدبير الصحيح أو ما يمكننا أن نسميه “التدبير الأخلاقي“.
الاهتمام بالصحة: ليس بسبب الاستعداد لوباء آخر، وإنما لأنه حق ضروري وواجب إنساني.
الاهتمام بجودة التعليم: تقليل جودة التعليم وعدم الاهتمام به خلق مجتمعا جاهلا وسهل التحكم به، وهو طبعا الشيء الذي تريده الدول العربية، فكلما كان الشعب جاهلا كلما سهل التحكم به، وكلما كان كذلك، كلما ابتعد هذا الشعب عن المطالبة بحقوقه وعن القيام بثورة.
الاهتمام بالبحث العلمي: فيروس كورونا كشف الثغرات لدى البلدان العربية، فهي لا تملك مؤهلات ولا أساليب متقدمة من أجل القضاء على الفيروس. وإنما استعانت هذه الدول بالدول الغربية سواء في اختبارات مخبرية أو أبحاث علمية أخرى. وحتى اللقاح، فهو لقاح من شركات غربية ولم تستطع دولة عربية واحدة أن تصنع هذا اللقاح.
محاربة الفساد: كشفت كورونا كل الفساد بالعديد من القطاعات، فاكتشفنا أن العديد من الأشخاص لا يملكون أوراق رسمية لعملهم، وآخرون يعملون فقط في السوق السوداء … والعديد منهم لا يتوفر على أبسط شروط العيش الكريم من تغطية صحية وغيرها.
محاربة الخرافات والعلوم الزائفة: عندما ظهرت كورونا لأول مرة، خلقت بعدها تسوناميات من الخرافات والعلوم الزائفة الغير مبنية على أسس علمية ولا على احصائيات، فمن الناس مثلا من قال أن الثوم والبصل يقضي على كورونا، ومنهم من قال الحبة السوداء، أو الأعشاب … وغيرها الكثير والكثير، والسبب يعود أولا إلى رداءة جودة التعليم، وثانيا إلى عدم الاهتمام بالبحث العلمي، وطبعا أخيرا دولنا لا تحارب هذه الخرافات لأنها لا تهدد استقرارها السياسي، بينما نجدها اليوم تحاربها بشراسة بإلقاء القبض على كل شخص نشر أخبارا زائفة … والسبب طبعا هو أن هذه الأخبار تهدد الأمن الوطني واستقراره واقتصاده.
بناء مستشفيات ومدارس أكثر: للأسف نجد في بلداننا العربية أن عدد المساجد يفوق بعشرات الآلاف عدد المدارس والمستشفيات، طبعا أنا لست ضد بناء المساجد، لكن الأولوية يجب أن تكون للمستشفيات والمدارس والجامعات، والواقع يؤكد كلامي، فجامعاتنا ومستشفياتنا تعرف اكتضاضا عارما، بينما المساجد فهي دائما خالية إلا في أيام الجمعة وأيام شهر رمضان، ولم تستطع هذه المساجد حتى فتح أبوابها المغلقة للمتشردين والمتسولين والفقراء كما تفعل الكنائس في دول الغرب.
تحسين جودة الخدمات: كشفت لنا كورونا أيضا أن دولنا العربية تتوفر على أسوأ الخدمات، خاصة الخدمات الصحية. وإن كان هذا يدل على شيء فلا يدل إلا على تجاهل هذه الدول لمواطنيها بل وعلى احتقارها لهؤلاء المواطنين.
تحسين البنية التحتية: كشفت لنا كورونا ثغرة أخرى عن البنية التحتية حيث اكتشفنا هشاشة هذه البنية ومدى ردائتها في مواجهة هذه الجائحة.
تقبل التعايش: هل تتذكرون الأيام الأولى لفيروس كورونا؟ قبل حتى خروجه من الصين؟ كان العالم كله يدعم الصين ويحاول تقديم المساعدة. ماذا كان يفعل أغلبية العرب في ذاك الوقت؟ منهم من اعتبر الفيروس غضبا من الله، وأن الصين تستحق ذلك، وغيرها العديد من التصرفات التي تتبث للعالم بأكمله أننا شعوب لا نقبل التعايش مع الغير، وفي نفس الوقت ننتظر من هذا الغير أن يصنع اللقاح كي ننتهي من لعنة كورونا. لن يعرف العالم أي سلام بدون تعايش، ولن نتقدم بدون تعايش.
كانت هذه بعض الأفكار البسيطة التي يجب أن نَقدِم على فعلها والبدأ في تحسينها من اليوم فصاعدا، ليس من أجل الاستعداد لقدوم جائحة أخرى مستقبلا، بل لأن هذه التدابير هي الأسس التي تقوم عليها أي دولة تحترم نفسها وتحترم مواطنيها.
لا تترد في ترك تعليق أسفل هذا المقال عن رأيك الخاص فيما يتعلق بالتدابير التي يجب أن يتم تحسينها في دولنا العربية.