in

الفن رسالة

موسم التطبيع 

في ظل الأحداث الحالية من عمليات تفجير وقتل لأشقائنا وأطفالنا في غزة وبينما فضلت كل الدول العربية الإستسلام والمحافظة على الإقتصاد المحلي، كانت قد نظمت إحدى هذه الدول و هى السعودية مهرجاناً عملاقاً وكأنها تحتفل بما يفعله الصهاينة في أرض القدس وأطلقت عليه إسم ( موسم الرياض ).

وكان من المخطط أن ُتعرض العديد من المسرحيات في هذا المهرجان لجميع نجوم مصر تقريباً، إحدى هذه المسرحيات كانت مسرحية زواج إصطناعي والتي كان من المفترض أن يكون أبطالها النجم محمد سلام وبيومي فؤاد ومى عز الدين، وكما ذكر النجم محمد سلام في الفيديو الخاص به الذي نشره على وسائل التواصل أنه كان ينتظر أن يؤجل كل ذلك و كان هذا هو المنطقي و الطبيعي تآزرا مع ما يحدث في غزة، ولكن لما لم يحدث أى تأجيل قرر الفنان الكبير أن يعتذر عن العمل قائلا ( مش هطلع أضحك و اهزر و اخواتنا بيموتوا في غزة )

سبقني و إشتكى

 لقى موقف الفنان اعجاب الكثيرين و تضاعف عدد متابعيه بين ليلة وضحاها. ثم ُعرضت المسرحية في النهاية وكان بديله الفنان محمد أنور والذي تعرض للكثير من الإنتقادات بالطبع ساءت حالته النفسية كثيرا، وكانت ستنتهي هذه القصة هنا لو لم يعلق الفنان بيومي فؤاد بعد نهاية المسرحية قائلا للجمهور الحاضر ( شكرا لكم…عشان احنا بنتعرض للإهانة واحنا شقيانين وبنشوف شغلنا … واحنا مش بتوع فلوس احنا بنقدم فن مش بنهزر ونضحك والفن رسالة ) ثم تابع منتقدا الفنان محمد سلام وإدعى انه لم يعتذر من المسرحية ولكن تم طرده ، وأنه هو من تسبب بطرده. الجدير بالذكر أن الفنان بيومي فؤاد كان مشاركاً في العديد من مسرحيات المهرجان ولم تكن هذه مسرحيته الوحيدة.

خراب بيوت 

تحدث بيومي فؤاد في احدى البرامج مؤخرا وعبر عن استياءه الشديد من محمد سلام لأنه لم يدافع عن زميله محمد أنور رغم دفاعه عن الكثير من الفنانين في لحظات حرجة قبل ذلك. هل كان يستغل محمد سلام تصفيق الجماهير الحاد ودفعه ذلك للتخلي عن محمد انور وبيومي فؤاد؟ لا نعلم… ولكن بعيداً عن حقيقه الأمر فقد اتخذ غالبية الجمهور موقفاً معادياً ضد بيومي فؤاد وأتبعوا يدافعون عن الفنان محمد سلام وكان الهجوم قوياً وشرساً على النجم بيومي فؤاد حتى وصل الأمر انه كان محاصراً في بيته غير قادر على الخروج وتم غلق مطعمه الذي كان قبل هذه الأحداث مفتوحا على مصراعيه. ولكنه تخطى هذه الإزمة مؤخرا دون أن يعتذر، عندما أجبر ظهوره في عدة أعمال مجددا الجماهير على تناسي الأمر، فهذه ليست القصة الفريدة من نوعها التي سيتذكرها الجمهور للأبد بعد أن نسى الكثير والكثير من الفضائح والمواقف التي ظهرت من أكثر نجوم الوسط الفني شهرةً. فعلى سبيل المثال من يتذكر الآن قضية النجم الكبير أحمد عز مع النجمة زينة التي أثارت الكثير من الجلبة والجدل في وقت من الأوقات.

مهنة شريفة

 قد اثار فضولي سؤالاً: لماذا قد يخرج فنان على الملأ ليتبنى رأياً يعلم جيدا أن الجمهور العام لن يتقبله وخاصةً في فترة كهذه والجمهور على المواقع بأكمله يترصد الأحداث لحظة بلحظة ما لم يكن يصدق في قرارة نفسه أن الفن رسالة حقاً على عكس الكثيرين حتى من زملائه الفنانين الذين قد لا يصدقون في ذلك كثيرا، و الذين كانوا برفقته في المهرجان و لم نسمع حتى عن مسرحياتهم بالمهرجان. ربما إذا سألت بعض النجوم سيقولون أنهم يعملون هذه المهنة من أجل المال فقط، تماما كما فعل المطرب الشعبي سعد الصغير والذي سُأل في أكثر من مناسبة وقال أنه يتمني ألا يموت وهو يعمل بهذه المهنة وقال أنه لا يكذب على نفسه قائلا أنها ليست حرام. وتبنى المغنى تامر حسني رأيا مشابهاً رغم شهرته الواسعة ونشره للسلام في كل مكان. فدعونا نوضح بعض الإلتباسات.

مقياس الفن 

الفن في الحقيقة هو عرض للمشاعر و المشكلات بأنواعها ومجريات الحياة بطريقة غير مباشرة مما يجعلك تفكر في الماضي والحاضر والمستقبل بطريقة أخرى أفضل أو أسوأ ، وقد يغير ذلك حياة البعض أو يشكل حياة البعض الآخر، فقد تشعر بنوستالجيا لا تعرف مصدرها عندما تنظر لأحد لوحات فان جوخ وقد لا تشعر أيضا حتى لا يلتبس عليك الأمر، فمن الشرط أن يوجه الفن رسالة محددة لفئة معينة، وكلما لمس عددا أكبر من الداخل وشعروا بمغزاه دل ذلك على حسن جودته. 

هل التمثيل فن ؟ 

قد يكون خير دليل لنا في الرد على هذا السؤال هو المشاهد نفسه. والذي إذا سألته عن عمل ما سيسيطر على رأيه غالباً حقيقة ما اذا كان استمتع بهذا العمل أم لا، وللأسف الشديد هذا ليس المؤشر الذي يجب أن نأخذ به، لأن الفن يكمن في القصة أو الرواية التي يتم عرضها ويكمن أيضا في كيف يتم عرضها وفيما يبذله طاقم العمل ليخرج العمل بالشكل والهيئة والخيال والمظهر الرائع، ويكفينا بعض الشئ بالمناسبة أن نقرأ هذه الرواية أو القصة فقط عندما يتعلق الأمر بأخذ العبرة و المغزى، وتظل هى في حد ذاتها بدون أن تعرض على الشاشة فناً خالصاً ولا جدال نحو ذلك، نعم قد تكون المشاهدة عنصرا أكثر إيضاحا وتعبيرا وتأثيرا ومما لا شك فيه أنها أسهل من القراءة ولكن هذا هو مربط الفرس.

إهانة الأدب 

قد لا يعرف ذلك الكثير ولكن قديما كان الأدب أفخم أنواع الفن سواء بالشعر أو النثر أو الكتابة، وما زال الأدب فناً ولكنه فن مهجور، فالرواية فقط هى التى صمدت من الأدب حتى الآن، وأحد أسباب هذا الصمود هو استخدامها في السينما والدراما. ومع حرية الفكر أصبحنا نتعرض للكثير من الأفكار المتناقضة على شاشة العرض، وإلى هذا الحد لم يكن هناك ثمة أدني مشكلة لأن العاقل الواعي يستطيع أن يتبني اراءاً ما و ينتقد أخرى وهذا ليس مما أورده التمثيل علينا فقد كان هذا منذ قديم الأزل. ولكن هل كل الأعمال الفنية المعروضة هى في الأصل رواية؟ وهل هذا يُعدُ شرطاً من الأساس؟ بالطبع لا وقد رأينا الكثير من الهراء يعرض على الشاشة ويصرف عليه الملايين بل ويشاهده الملايين، فهل عزى البشر من البداية لمشاهدة السينما والدراما فقط لأنها فناً؟ 

أصل الحكاية

استخدم الغرب نفس الطريقة للتسويق لإنتشار الإنترنت والسينما و هى المحتوى الإباحي. فإذا شاهدت إحدى الأفلام الأجنيبة القديمة والتي كانت في بادئ الأمر ستجد هذا المحتوى يسيطر على الفيلم من البداية للنهاية، و اذا بحثت أيضا أو سألت أحد القدامى سيخبرك عن أول شئ كان يتواجد على الإنترنت عند ظهوره، و هذا حتى لا تفكر كثيرا في الأمر لأن التاجر قد يفعل اى شئ في سبيل انتشار منتجه والسينما من البداية كانت تجارة وظلت وما زالت تجارة وهذا ليس عيباً طالما ستجني أموالا من دفع المشتري مالا في مقابل مشاهدة شئ ما ذا قيمة. وكل فن له قيمة يقدر بثمن حتى وإن كان لا يقدر بثمن.

” احنا بنقدم فن “

لكن في عرف الدين يجب أن يكون ما تعرضه أو تقدمه من فن و تتحصل منه على المال لا يحتوي على أى شئ مخالف للشريعة الإسلامية ك ( الزنا – الرقص – الخمور – بعض أنواع الغناء ) وغير ذلك حتى وان تواجد ذلك في الرواية نفسها لمغزى معين، و لن يفسد ذلك العمل او يشق على صناعه، فأظن أن القائمون على هذه الصناعة الأن وبعد التطور الذي لا ينتهي في الإخراج يستطيعون ان يرسلوا ما يشاءون لرأس المشاهد دون عرضه بصورة مباشرة، وإلا كيف تواجدت المسلسلات الصوتية على الساحة. وكيف أضحك تشارلي تشابلين العالم أجمع دون أن ينطق ببنت شفة، فالفن الذي يدعون أنهم يقدموه ليس له حدود ولا يعرف المستحيل، ولكن شركات الإنتاج لا تعرف إلا لغة المال، وقليلا ما نجد هذا المخرج الذي يضع في اعتباره إسم الدين، بل على العكس تماما يعتبر معظم المخرجين منذ زمن وإلى الآن الإغراء والرقص وغير ذلك من العوامل الأساسية لإنجاح أى عمل فني. ومن ناحية النجاح فلا شك في ذلك، وأقرب مثال لذلك ظهور الممثلة هدى الأتربي في مسلسل العتاولة برمضان ٢٠٢٤ والتي أثارت الجدل رغم أنها لم تكن ضمن قائمة أبطال العمل، ولم يكن بها شئ مميز إلا شئ واحد فقط لا داعي لذكره فأنتم تعلمونه، نحن نتكلم عن فئة من الناس قد يعرضون رموزاً ومشاهد تخدم وترمز للماسونية في مقابل عدة دولارات، أو تخدم أى جهة تستطيع أن تدفع المال مقابل عرض بعض الأفكار والترويج لها بعلمهم أو بدون علمهم، لأن بعضهم يجهلون حقا مدى تأثير ما يقدموه ولكن هذا لا يبرأهم كثيرا كما يبدو. و السؤال هنا هل التجارة والمال و ظهور المحرمات فقط هى العوامل الوحيدة التي تساهم في هدم الفن؟ 

الإثارة 

تتحكم الهرمونات في البشر نوعا ما، ولا أتحدث عن هرمونات المرأة فقط هنا ولكن أتحدث عن الهرمونات التي تفرز عند الشعور بالسعادة أو الخوف والحزن وغيرها، أحد هذه الهرمونات هو الهرمون الذي يفرز عند الشعور بالإثارة. و لا أتحدث هنا عن الإثارة الجنسية فقط ولكن أعني الإثارة التي تشعر بها عند مشاهدتك لأحد الأفلام أو المسلسلات والتي أصبح صناع السينما والدراما يضعونها في الحسبان لتساهم في ربحهم من منتجهم وأخذوا يذهبون بها لمستويات أعلى فأعلى ويستخدمون في ذلك كل السبل، سواءً كان هذا في سياق الدراما أو الأكشن أو الرعب أو حتى الكوميديا والخيال العلمي وغير العلمي، وعلى سبيل المثال فيلم dunkirk الذي استخدم فيه المخرج المذهل كريستوفر نولان موسيقى تصويرية تلعب على الإدراك العاطفي وتحفز على التشويق و الإثارة للأحداث حتى وان كانت أحداثاً رتيبة ، وتستطيع ان تشاهد هذا الفيلم بدون صوت ولن تستمر في المشاهدة لأكثر من نصف ساعة، وهذا لا يعني أن الفيلم سيئ.

” أرجوك محتاج الجرعة ” 

إذا كنت مداوماً على المشاهدة ستدمن هذه الجرعات من الإثارة وكلما ذهبت إلي مستوى أعلى ستعاني من عدم شعورك بالمستويات الأقل وستطلب جرعات أعلى، وكلما ذهبت عالياً كلما قلت الأعمال الفنية المتواجدة والتي تسطيع ان تلبي رغباتك وهذه ليست المصيبة الرئيسية هنا بل تكمن المصيبة عندما لا يعنيك حقا ما تشاهد وما يُحكي و لا يعنيك المغزى منه ولكن يعنيك فقط أن تشعر بالإثارة اللازمة، وقد تجد هذه الأعمال التي تحوي بداخلها مغزى ما ومع ذلك لا تقصِّر في تلبية احتياجاتك من الإثارة ولكن إذا وجدتها مرة لا يعني ان تجدها دائما، وما يجعل الأمر أصعب وأسوأ مرة بعد اخرى أفكارك الشخصية وثقافتك ومدى تثقفك بالمعرفة والتاريخ، و غيرها من العوامل التي قد تعمل وحدها على معانتك في البحث عن عمل فني يستحق المشاهده ويقدم شيئا ما.

لذا : 

 نعي الآن جيدا أنه لا يشترط أن يكون التمثيل دائما فن، و هذا أيضا ليس شرطا حتى يتم عرضه، واذا كان فنا فهذا لا يعني أنه يعرض بالطريقة الشرعية الصحيحة، و إن تم عرضه بالطريقة الشرعية الصحيحة لا ينفي هذا الأغراض التي يعُرض من أجلها ولا يعني أيضا أن نصدق ما يحويه فهو مجرد رأي أحد الكتاب ونظرته التي تحتمل النقد، ولنا الحرية في ان نتبنى آراءه أو لا، ويجب أن نتحرى العقل في ذلك، ونعي جيدا عندما نشاهد هل نشاهد لأننا نستمتع بروعة القصة أم لأننا في درجة من درجات النشوة المتحصلة من الإثارة التي يغرقنا فيها المخرج بطريقته الخاصة، وإذا كنا نشاهد من أجل الخيار الثاني فلا يهم كثيرا ما دمنا نعي ذلك جيداً. 

المراجع 

– دليل مسرحيات موسم الرياض https://ar.timeoutriyadh.com/entertainment/%D9%85%D8%B3%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6

– The sound illusion that makes Dunkirk so intense https://www.vox.com/videos/2017/7/26/16033868/dunkirk-soundtrack-shepard-tone

– روجر شيبرد (ديسمبر 1964). “Circularity in Judgements of Relative Pitch”. Journal of the Acoustical Society of America. ج. 36 ع. 12: 2346–53. DOI:10.1121/1.1919362

– “The Sonic Barber Pole: Shepard’s Scale”. at cycleback.com 

Avatar for عبدالحليم محمود

كُتب بواسطة عبدالحليم محمود

التعليقات

اترك تعليقاً

Avatar for عبدالحليم محمود

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Loading…

0