in

مغالطة إثبات التالي

مغالطة إثبات التالي

إن تحليل العبارات الشرطية والتفريق بين الشروط ونتائجها يعتبر جوهريًا في فهم كيفية صياغة الاستدلالات الصحيحة. العبارة الشرطية تتألف من جزء يُعرف بالمقدم، والذي يُشير إلى شرط معين، وجزء يُعرف بالتالي، يُعبر عن ما سيحدث إذا تحقق ذلك الشرط. الخطأ الشائع الذي يقع فيه الكثيرون، كما يشير د. عبد الرحمن بدوي في كتابه “المنطق الصوري والرياضي”، هو الاعتقاد بأن تحقق نتيجة ما يؤكد بالضرورة صحة الشرط الذي تنبأ بها. يستشهد بمثال حول الحكم النيابي في مصر، حيث يُفترض أن بقائه لمدة طويلة دليل على كفاءته، وهو استدلال مغلوط.

يعتبر هذا النوع من المغالطات مشكلة في كثير من الأحيان، لأنه يعتمد على الافتراض بأن النظرية الوحيدة الممكنة هي التي تستطيع تفسير النتائج المرصودة. وهذا الافتراض يغفل احتمال وجود نظريات بديلة قد تفسر تلك النتائج أيضًا. على سبيل المثال، قد يُعتبر أن صحة نظرية علمية معينة تُثبت من خلال ملاحظة تنبؤاتها. ولكن، مهما تكررت هذه الملاحظات، تظل هناك دائمًا احتمالية أن يأتي ملاحظ جديد يدحض هذه النظرية.

في الواقع، يرى البعض أن هذا التأكيد المستمر على النظرية من خلال التحقق من تنبؤاتها يُعد أساسًا للمنهج العلمي، ولكنه في ذات الوقت يمثل أحد التحديات الكبرى التي تواجه النظرية العلمية. وبالتالي، يجب أن نكون حذرين ومدركين لحدود هذه الطريقة في التحقق والاستدلال.

لنفكر في هذه الحجة المنطقية البسيطة:

إذا كان الفرد إنساناً، فهو بالتالي موجود لفترة محدودة. تأمل حالة سقراط، الذي هو إنسان؛ بالتالي، سقراط موجود لفترة محدودة. هذه حجة سليمة ولا شائبة فيها.

ومع ذلك، دعنا نراجع حجة أخرى تتبع نفس النمط لكن بترتيب معكوس:

إذا كان الفرد إنساناً، فهو بالتأكيد موجود لفترة محدودة،
سالي موجودة لفترة محدودة؛
إذن، سالي إنسان.
هنا يظهر الخطأ بجلاء، لأن سالي قد تكون قطة، وبالرغم من أنها موجودة لفترة محدودة، إلا أنها ليست إنسانًا.

لننظر إلى حجة أخرى مشابهة:

إذا كنت أكبر من سلمى، فهذا يعني أن سلمى قصيرة.
سلمى قصيرة؛
إذن، أنا أكبر من سلمى.
من المثير للاهتمام أن دراسة أجريت على أشخاص لم يتلقوا تدريبًا في المنطق أظهرت أن أغلبية المشاركين قبلوا هذه الحجج المعيبة. هذه الحجج تشبه الحجة الأولى الصحيحة التي قدمت:

إذا «أ» إذن «ب»،
«أ»؛
إذن «ب».

ومع ذلك، تختلف كليًا عن النموذج الصحيح بما يلي:
إذا كان «أ» يعني «ب»، وحدث «ب»؛
إذن يجب أن يكون «أ» قد حدث.

المشكلة هنا تكمن في الافتراض الخفي بأن «أ» هو السبب الوحيد الممكن لـ «ب»، وهو افتراض غير موجود في البرهان، حيث أن البرهان يترك مجالًا لاحتمالات أخرى تؤدي إلى «ب». يمكن أن نوضح ذلك بالصيغة التالية:
إذا «أ» إذن «ب»،
إذا «ج» إذن «ب»،
«ب»؛
إذن ليس بالضرورة أن يكون «أ».
وكما ترى، فإن الاستنتاج بأن «أ» هو السبب الوحيد لـ «ب» يعد خطأ واضحًا، ولا ينبغي أن يُقبل إلا في حالة تكون العلاقة بينهما مشروطة بالصيغة: إذا، وفقط إذا، «أ» إذن «ب».


من النادر أن يُضلل أحد بوضوح عندما تظهر المغالطات بشكل صريح وجلي، لكنها قد تفلت من انتباه الأذكياء عندما تكون متخفية وراء نصوص مُعتبرة أو مشبعة بمشاعر قوية. نجد هذا الخطأ المنطقي يظهر كثيرًا في الإعلانات التلفزيونية والخطابات السياسية:

إذا كنت شابًا رياضيًا وجذابًا ولديك شخصية قوية، فستجد نفسك ميالًا لشراء سيارة BMW.
والاستنتاج الضمني هنا هو:
أنت تميل لشراء سيارة BMW؛
إذًا، أنت شاب رياضي وجذاب وذو شخصية قوية.
كما شهدت المناقشات حول الإرهاب في بريطانيا قبل تفجيرات 7 يوليو 2005 استخدام هذه المغالطة من كلا الطرفين، حيث زعم بعض أعضاء الحكومة البريطانية أن القوانين البريطانية المعمول بها لمكافحة الإرهاب كانت كافية لأنه لم تحدث هجمات إرهابية، وبالتالي هي كافية:

إذا كانت التدابير المضادة للإرهاب كافية، فلا يُتوقع وقوع هجمات؛
لم تحدث هجمات؛
إذًا، التدابير المضادة للإرهاب كافية.
هكذا استندت حججهم على “إثبات التالي”، وهي مغالطة تكشفت بأخطائها في السابع من يوليو 2005. من ناحية أخرى، جادل أنصار الحريات المدنية بأن بريطانيا لا تحتاج إلى تشريعات جديدة لأن الإرهابيين لا يهدفون إلا إلى الولايات المتحدة، مستدلين على ذلك بأنه لو كان الإرهابيون يستهدفون بريطانيا لكانت قد وقعت هجمات، وبما أنها لم تقع، فإنهم لا يهتمون ببريطانيا:

إذا كان الإرهابيون يستهدفون بريطانيا، لوقعت هجمات؛
لم تقع هجمات؛
إذًا، الإرهابيون لا يهتمون ببريطانيا.
هذه الحجة أيضًا تُمثل مغالطة “إثبات التالي” التي أظهرت أخطاءها في التواريخ المشار إليها.

أمثلة إضافية على مغالطة إثبات التالي

  • إذا كنت في مدينة الإسكندرية، فإنني حتمًا في مصر.
    أنا حاليًا في مصر؛
    إذًا، يجب أن أكون في الإسكندرية.
  • إذا كانت الطاحونة تسبب تلوث مياه النهر، فسيزيد عدد الأسماك الميتة.
    عدد الأسماك الميتة في تزايد؛
    إذًا، يجب أن تكون الطاحونة هي المسبب لتلوث النهر. (لكن من الممكن أن يكون السبب آخر، مثل استخدام المبيدات.)
  • تقول الكذب، وعادة ما يحمر وجهك عندما تكذب، والآن وجهك متورد وأنت تتحدث.
  • إذا هطل المطر، فسيبتل الرصيف.
    الرصيف مبتل؛
    إذن، يجب أن المطر قد هطل. (قد يكون أحدهم قد غسل الرصيف للتو!)
  • إذا كان ستيفن كينج مؤلف الأناجيل، لكان يُعد كاتبًا متميزًا.
    ستيفن كينج كاتب متميز؛
    إذن ستيفن كينج هو من كتب الأناجيل.
  • كل الأشخاص المصابين بالفصام يظهرون سلوكيات غريبة.
    هذا الشخص يظهر سلوكيات غريبة؛
    إذن هذا الشخص مصاب بالفصام.
  • إذا كان هذا المتهم قادرًا على المحاكمة، فمن المؤكد أنه سيجيب على 80% على الأقل من الأسئلة في هذا الاختبار.
    هذا المتهم أجاب على 87% من الأسئلة؛
    إذن هذا المتهم قادر على المحاكمة (بالرغم من أنه قد يكون غير قادر لأسباب أخرى غير محددة في الاختبار).
  • إذا منعنا مباريات كرة القدم بجميع مستوياتها، فسنقضي على ظاهرة الشغب في الملاعب.
    القضاء على الشغب في الملاعب أمر مرغوب؛
    إذن منع مباريات الكرة بالكامل أمر مرغوب.
  • إذا منعنا كافة العلاقات الجنسية، فسنقضي على مرض الإيدز.
    القضاء على مرض الإيدز أمر مرغوب؛
    إذن منع العلاقات الجنسية أمر مرغوب.
  • إذا كانت لسالي جراء، فهي بالضرورة كلبة أنثى.
    سالي كلبة أنثى؛
    إذن سالي لديها جراء.

التفنيد بإنكار الشرط

العبارة الشرطية تُعرف بأنها تلك التي تحدد شرطًا ما (يُعرف بـ”المقدم”) ومن ثم توضح ما ينتج عن تحقق هذا الشرط في “التالي”. المغالطة التي تُعرف بإنكار المقدم تأتي عندما تُنكر العبارة الشرطية نفسها هذا الشرط، وبالتالي تستنتج إنكار ما يترتب عليه.

بكلمات أخرى، يحدث خطأ منطقي يُسمى بـ”مغالطة إنكار المقدم” عندما يتم رفض المقدم في جدلية شرطية ومن ثم يُستنتج رفض النتيجة الناتجة، كما يوضح المثال التالي:
إذا كنت نائمًا، فإن عيني تكون مغلقتين،
لكني لست نائمًا؛
إذًا، عيني ليست مغلقتين.

وتُصاغ هذه الحالة كالتالي:
إذا “أ”، فإذًا “ب”
ليس “أ”؛
فليس “ب”.

إن الواقع بأن عيني تغلق أثناء النوم لا يستبعد إمكانية أن أغمضها بينما أكون مستيقظًا، لكن هذه النوعية من الاستدلالات قد تكون مضللة للغاية، خصوصًا عندما تكون ضمن حجج أكثر تعقيدًا. والمشكلة تكمن في الخلط بين “إذا” و”إذا وفقط إذا”، ففي الحقيقة، الحجة ستكون صحيحة فقط إذا كانت المقدمة الأولى تنص على أنني لا أغمض عيني إلا في حال كنت نائمًا.

هذا النوع من المغالطات شائع بين المحامين، الذين قد يستنتجون أن غياب دليل معين يعد دليلاً على براءة المتهم. فلو اختفى شخص ما، س، وكانت هناك أدلة تشير إلى أن المتهم قتله، قد يجادل المحامي بأن عدم العثور على الجثة يعني أنه لا يمكن إثبات الجريمة:
إذا تم العثور على جثة “س”، فربما قتله موكلي،
لم يتم العثور على جثة “س”؛
إذًا، لا يمكن أن يكون موكلي قد قتل “س”.

كما ترى، هذه مغالطة تُعبر عنها بالمبدأ الشهير “غياب الدليل ليس دليلًا عدم”، والأمر أعقد من ذلك بكثير.

أمثلة عن مغالطة إنكار المقدم

  • جميع الطيور تمتلك أجنحة.
    الخفاش ليس طائرًا؛
    لذا، يُفترض أن الخفاش لا يمتلك أجنحة (ومع ذلك، الحقيقة أن الطيور تمتلك أجنحة لا تنفي وجود كائنات أخرى مثل الخفافيش والحشرات التي تحلق أيضًا).
  • سعيد يحرص على لعب الشطرنج كل يوم أربعاء خلال وجبة الغداء.
    اليوم هو الخميس؛
    إذًا، يستحيل أن يكون سعيد يلعب الشطرنج الآن.
    (لكن، لا يوجد ما يمنع سعيد من لعب الشطرنج في أيام أخرى.)
  • إذا كانت السماء تهطل مطرًا، فإن الأرضيات تكون مبللة.
    لم تمطر السماء منذ أسبوع؛
    إذن، يجب أن يكون الرصيف جافًا.
    (ومع ذلك، لا يستبعد أن يكون الرصيف قد تم غسله مؤخرًا.)
  • إذا كنت في الإسكندرية، فأنا بالتالي في مصر.
    أنا لست في الإسكندرية؛
    لذا، لا أكون في مصر.
  • جميع الطماطم حمراء (أي أنه إذا كان شيء ما طماطم، فمن الضروري أن يكون أحمر).
    هذا ليس طماطم؛
    إذن، هذا ليس أحمر.
  • إذا كانت السياسات فعّالة، فإن معدل البطالة سينخفض.
    لكن السياسات غير فعّالة؛
    لذا، البطالة لن تنخفض.
    (بالطبع، قد تتسبب عوامل أخرى في انخفاض البطالة على الرغم من فشل السياسات.)
  • إذا كان هذا الاختبار مبنيًا على معايير خادعة، فإنه لن يكون اختبارًا صادقًا.
    المعايير ليست خادعة؛
    إذن، الاختبار صادق.
Avatar for فكر حر

كُتب بواسطة فكر حر

التعليقات

اترك تعليقاً

Avatar for فكر حر

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Loading…

0