in

هل قانون الجذب فعّال كما يقولون ؟ أم هو مجرد وهم من أوهام العلوم الزائفة ؟

قانون الجذب

بعد قراءتي لكتاب كتاب السر ـ الذي يشرح قانون الجذب ـ اعتقدت فعلا أنني اكتشفت سرا لا يعلمه الكثير من الناس، وبدأت تترسخ في عقلي الباطني فكرة أن كل الأشياء التي أرغب في الحصول عليها ستنجذب إلي بمجرد التفكير فيها مرارا وتكرارا، وسأكذب لو قلت لكم أنني لم أحصل على عدة أشياء كنت قد فكرت فيها فعلا، لكن هذا لا يعني طبعا أن قانون الجذب حقيقي وسأنتقد هذا القانون في هذا المقال ليس فقط من منطلق مغالطات منطقية يرتكبها كل من يؤمن بهذا العلم الزائف، وإنما سيكون انتقادي بنّاء ومبني على أسس علمية معروفة.

قبل المرور إلى انتقاد هذا العلم الزائف، علينا أولا وضع تعريف بسيط لهذا القانون – كما يسمونه.



تعريف قانون الجذب

يدّعي مصطنعوا هذا العلم الزائف أن قانون الجذب هو قانون علمي موجود بالكون، ويقول هذا القانون أنه سيجذب أي شيء تفكر فيه بعقلك الباطني، أي أنك لو فكرت تفكيرا إيجابيا ستجذب كل شيء إيجابي إلى حياتك، بينما لو فكرت تفكيرا سلبيا، ستجذب كل ما هو سلبي إلى حياتك.

لم يتوقف القانون على هذا الحد، وإنما ذهب بعيدا في التفكير بالأشياء ليس من منطلق إيجابي وسلبي فقط، بل الأشياء الملموسة كالسيارة، والمنزل والملابس …الخ، ثم وصل إلى الحد الأقصى وهو جذب الإنسان أيضا، فلو فكرت مثلا أنك تريد شريكة حياة بمواصفات معينة، ستجذبها حتما إلى حياتك وستلتقي بها في مكان ما في العالم.

ويضيف هذا القانون ولأجل أن يدافع عن نفسه من الانتقادات أنك لو لم تحصل على الأشياء التي ترغب فيها فهذا لا يعني أن قانون الجذب غير فعال، بل يعني فقط أنك لم تؤمن بنسبة 100 % أنك ستحصل على ذاك الشيء (فكرة ذكية لإقناع الناس بهذا القانون).


هل قانون الجذب فعّال ؟

حسنا، لمعرفة هذا الجواب سأنتقد هذا القانون أولا من ناحية المغالطات المنطقية، ثم سأمر إلى انتقاده عن طريق العلم الذي يَدّعي قانون الجذب أنه ينتمي إليه.

مغالطة الاحتكام إلى الأمثلة

أول مغالطة لاحظتها في قانون الجذب هي مغالطة الاحتكام إلى الأمثلة، فقانون الجذب يؤكد فعاليته بالأمثلة فقط، ويقول فلان فكّر بكدا وكدا وحصل على كدا وكدا، وطبعا وكأي علم زائف، سيختار الناس دائما الأمثلة الناجحة وسيتغاضون عن كل الأمثلة السلبية.

إن الاحتكام إلى الأمثلة لا يعني أن هذا القانون فعلا حقيقي وفعّال، لأن صحة الأشياء لا تكمن في إعطاء أمثلة عشوائية وصحيحة في كل مرة. فقد أخترع أنا أيضا قانون معين وسأعطيك الأمثلة الصحيحة فقط، وحينها سيكون من الغباء تصديقك لهذا القانون بمجرد اطّلاعك على الأمثلة الصحيحة فقط ومتغاضيا عن أي مثال خاطىء.

مغالطة السببية

وثاني مغالطة منطقية هي مغالطة السببية (correlation doesn’t imply causation) وهي من المغالطات المنطقية المشهورة ويستعملها الناس في حياتهم اليومية بشكل دائم تقريبا.

يقول قانون الجذب أنك لو فكرت في شيء ما وآمنت به فستحصل عليه، ثم يؤكد المؤمنون بهذا القانون بأمثلة ك:” لقد فكرت في كدا وقد حصل كدا في اليوم الموالي، اذن قانون الجذب فعال”، وهذه طبعا مغالطة منطقية، لأن وقوع حدثتين وراء بعض لا يعني ارتباط هذين الحدثين، إلا إذا كانت هناك طبعا تجارب علمية مبنية على منهج علمي تجريبي وهذا موضوع سنتطرق إليه في الفقرات القادمة.

مثال: تفكيرك بالمطر وسقوط المطر بعد 15 دقيقة من تفكيرك بذلك لا يعني بالضرورة أن هذين الحدثين مرتبطين، أي أنه لا يعني أن المطر سقط بسبب أنك فكرت فيه، وكل ما في الأمر أن المطر كان سيحدث سواء فكرت فيه أم لا، وإذا طبقت نفس الشيء في قانون الجذب سترى أنك تؤيده فقط في الأحداث التي تنجح وتتغاضى عن الأحداث التي تفشل.

مغالطة الاحتكام إلى المعتقدات

المغالطة الثالثة هي مغالطة الاحتكام إلى المعتقدات، وتعني أن الشخص يؤيد حدث معين فقط لأنه يؤمن به، فمثلا الطفل الصغير يعتقد بوجود شبح شرير في الظلام، والدليل الوحيد الذي سيقدمه لك هذا الطفل هو أنه يؤمن بذلك لا أكثر ولا أقل، طبعا المعتقدات هي شخصية، لكن عندما تتحول هذه المعتقدات إلى دلائل لشيء ما، فهذا لا يعني فعلا أن هذا الشيء صحيح، وإنما على الشخص أن يقدم دلائل علمية مبنية على أسس المنهج العلمي.

اعتقادك بشيء ما لا يعني أنه صحيح

كلنا سنضحك على الطفل الذي يؤمن بوجود شبح شرير في الظلام، وسننتقد اعتقاده هذا فقط بطلب الدليل على وجود هذا الشبح، فلو قدّم لنا الطفل دليلا “علميا” على وجود الشبح، حينها سنقوم بتصديقه، أما إذا لم يقدم الطفل أي دلائل فهذا يعني أن معتقداته خاطئة وليس من الضروري قبولها.

ولو طبقنا نفس الشيء في قانون الجذب، كل ما سيقوله الشخص هو أن قانون الجذب صحيح لأنه يستخدمه في حياته وسيطلب منك استخدامه لتتأكد بنفسك، ولا يمكن طبعا اعتبار هذا التحدي دليلا على صحة هذا القانون.



انتقاد قانون الجذب من منطلق علمي

ربما انتقادي سيكون كافيا لو توقف المقال هنا، لأن كشف المغالطات المنطقية هو أمر كافي لانتقاد هذا القانون، لكن ولكي يكون انتقادي بنّاء ومكتمل، سأضيف عليه الأسس العلمية التي على قانون الجذب أن يتبعها قبل حتى طرح هذا القانون.

أول ما أثار انتباهي في هذا القانون هو كلمة “قانون” نفسها، حيث يقول مخترعوا هذا العلم الزائف أنه قانون كوني وأن القانون يقول ” لو فكرت بكدا وآمنت بكدا ستحصل على كدا “، ثم يضيف ويفسر أن للعقل البشري قدرة على تغيير الواقع، أي أنه لو فكر بشكل إيجابي سيكون واقعه إيجابي والعكس صحيح، وقد أتفق مع هذا الجزء الثاني، لكنني سأتطرق أولا إلى كلمة قانون ومفهومها العلمي الحقيقي.

القانون العلمي

سبق وشرحنا معنى القانون العلمي والفرق بينه وبين مصطلحات أخرى كالنظرية العلمية والفرضية …الخ، وقلنا أن القانون العلمي هو مجموعة من الصيغ والمعادلات الفيزيائية والرياضية التي تصف وتتنبأ بمجموعة من الظواهر الطبيعية التي تحدث في الكون، وقلنا أيضا أن لصياغة قانون علمي، علينا أن نستند إلى أدلة وبراهين تجريبية مبنية طبعا على أسس المنهج العلمي التجريبي.

إذا ما حاولنا تطبيق هذا المفهوم على قانون الجذب سنجد أنه مختلف تماما، لأن القوانين العلمية هي أولا صيغ رياضية ومعادلات … الخ، وقانون الجذب لا يأتي بمثل هذه الصيغ، وإنما كلام فقط، وثانيا قانون الجذب لم يستند إلى أية تجارب ودلائل علمية، وإنما استند إلى أمثلة فقط.

المنهج العلمي

شرحنا معايير المنهج العلمي بالتفسير في مقال سابق (يمكنك قراءته بالظغط هنا) وقلنا أن أي نظرية علمية لا بد لها أن تمرّ بالمنهج العلمي التجريبي من أجل إثبات صحتها، وللمنهج العلمي 6 مراحل: الملاحظة، وضع فرضيات، التجربة، تحليل البيانات ثم النتيجة.

إذا ما فهمت جيدا هذا المنهج العلمي ستدرك أن قانون الجذب سيفشل في المرحلة الثالتة، لأن التجربة لها معايير عديدة وعلى المتغيرات أن تكون دقيقة، ولا يكفي الاستناد إلى أمثلة معينة من أجل نجاح التجربة، لأن هذا يخالف المعايير الأساسية للتجربة العلمية.

وبالتالي فقانون الجذب لن يمر حتى لمرحلة تحليل البيانات والخروج بالنتيجة، والدليل على ذلك هو عدم وجود ورقة بحث علمية تشرح التجارب العلمية التي تؤكد قانون الجذب، ولا وجود لاسم باحث ما ولا حتى مقال في مجلة علمية مشهورة.

وطبعا فورقة البحث العلمية لها معاييرها أيضا، ولا يتم قبولها في المحتوى العلمي إلا بعد مراحل متعددة شرحناها في مقال العلوم الزائفة كقابلية الدحض والمراجعة التدقيقية من قبل المختصين (peer-review) وغيرها.


لماذا انتقدت قانون الجذب ؟

قد يضر إيمانك بهذا القانون على حياتك لا العكس كما تعتقد، فمثلا عوض التخطيط لمستقبل حياتك والتركيز على عملك ودراستك، ستظل دائما مؤمنا أن الأشياء الجميلة ستحصل ما دمت تفكر بها، وبالتالي ستقع ضحية صدمات قد تجعل من حياتك سلبية مستقبلا، إضافة إلى الكسل والعجز الذي سيقتحم حياتك في أمل أنك ستجذب الأشياء التي تريدها بتفكيرك فقط.

أحب أن أكون شخص عَمَلي وأن أعيش حياتي بتخطيط استراتيجي، فإذا أردتُ النجاح في الدراسة سأقوم بالدراسة بشكل يومي، وإذا أردت الحصول على شيء ما كمنزل أو سيارة مثلا، سأقوم بالتخطيط لذلك، لا بمجرد التفكير والإيمان أنني سأحصل عليها، لأن مجرد التفكير سيجعلك عاجزا وكسولا للتحرك والعمل.



خلاصة

كي أكون محايدا في انتقادي، سأعترف أن هناك أشياء جميلة في قانون الجذب، ومن بين هذه الأشياء التي أؤيدها وهي أن التفكير الإيجابي سيجعلك إيجابي وأن التفكير السلبي سيجعلك سلبي وهذا بالطبع أمر منطقي إضافة إلى أنه متبث بشكل علمي في علم النفس وكدا علم الأعصاب، ثم فكرة الامتنان التي قد تضفي إلى حياتك بعض الإيجابية.

غير هذا، فقانون الجذب مجرد علم زائف، ولا وجود لشيء اسمه “قانون الجذب” في المحتوى العلمي، والمغالطات المنطقية وحدها كافية من أجل دحض هذا العلم الزائف، ثم إن هذا القانون قد يظر بحياتك لا العكس.


Avatar for فكر حر

كُتب بواسطة فكر حر

التعليقات

اترك رد

اترك تعليقاً

Avatar for فكر حر

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Loading…

0