حار العلماء في تصنيف الفيروسات عند اكتشافه عام 1892، كونه لا يقوم بفعاليات حيوية ولا بالتكاثر إلا بوجوده داخل كائن حي آخر، صنفه بعض العلماء من الكائنات الغير الحية، إلا أن وجود جينات وبروتينات فيه يعطي أنطباعاً واضحاً على أنه كائن حي مثل أي كائنات أخرى، فجادل بعض العلماء بتصنيفه من الكائنات الحية.
بغض النظر عن تصنيفه، استطاعت الفيروسات أن تقضي على حياة ملايين من البشر عبر التاريخ. من الجدري والحصبة إلى الأنفلونزا والأيدز، قامت هذه الكائنات غير المرئية بتغيير مجتمعات بشرية وطريقة انتظامه. بل أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من وراثة الإنسان، حيث يحتوي جينات البشر على 5-6 بالمئة من الفيروسات القهقرية – وهي تلك الفيروسات التي تقدر على حقن جيناتها في جينات المضيف لتصبح جيناتها جزءاً من وراثة المضيف.
إن الوظيفة الرئيسية والوحيدة للفيروس هي التكاثر. على عكس الكائنات الأخرى التي تنموا ثم تتكاثر، فهي تعتمد في نموها على خلية المضيف، وهذا يعني أن وجودها يعوّل على الكائنات التي تصيبها، وافتراسها لا يقتصر على الإنسان فقط، بل يمكنها إصابة الحيوانات والنباتات أيضاً. مما يعني أن تأثير الفيروسات على الحضارة يكون مباشراً وغير مباشراً. الطريقة المباشرة هو إصابة وقتل المجتمع، أما غير المباشرة فهي عن طريق الافتراس على الحيوانات المدجّنة والنباتات الزراعية.
لكن وبفضل العلم استطاع الانسان العثور على العديد من الطرق للرد على تلك الهجمات، منها اللقاح ضد تلك الفيروسات للإنسان والحيوانات وحتى للنباتات الزراعية، أو إبعاد الكائن المريض عن باقي الكائنات للحد من انتشار الفيروس بينهم، أو استخدام أدوية مضادة للفيروسات من أجل القضاء عليها.
إلا أن هذه التقنيات باتت عتيقة لما تقدر عليه التكنلوجيات الحديثة، بالأخص تكنولوجيا تحرير الجينات، التي لديها القدرة على تغيير وتعديل واستبدال جينات الكائنات الحية. مبدأ هذه التقنية بسيط جداً، حيث إنها تعتمد على كود جيني المراد نقله للمستلم وعلى الناقل الذي سيقوم بذلك العملية. ولحسن الحظ، الفيروسات هي أفضل ناقلة للأكواد الجينية، ولديها ميزة فطرية تجعلها تقوم بغرز الجين المراد نقله بداخل الدنا (DNA) المستلم، حتى يتسنى للمستلم الاستفادة من الجين بشكل لانهائي بدون الحاجة إلى وجود الفيروس باستمرار داخل جسم المستلم.
أغلب الفيروسات هي غير ضارة للإنسان، ولكن بالطبع هي غير نافعة أيضا لأنها لا تمتلك ميكانيكا الدخول إلى الخلايا البشرية وإحداث تغيرات فيها. لذا، نحن مضطرين أن نتعامل مع الفيروسات الضارة من أجل تحويلها الى كائنات تعمل لصالحنا كما نفعل مع بعض الحيوانات كالحمير مثلا. ولكي نصل إلى ذلك، علينا أن نتلاعب بجينات هذه الفيروسات الضارة وننتزعها منها.
عيوب الفيروسات
هذه الفيروسات الضارة لديها مجموعة من الجينات التي تأمرها بالتكاثر إلى ما لا نهاية بمجرد دخولها لخلية الضحية. لو استطعنا تعديل هذه الخاصية للانقطاع عن التكاثر أو السيطرة على معدل التكاثر من خلال وضع إشارات فوق الجينية التي يمكنها الاستجابة لرسائل جينية أخرى محمولة من قبل كائن آخر، لتمكنا من السيطرة على الفيروس كلياً. لأنها لن تتمكن من التكاثر داخل الخلية بعد الآن إلا باشارة منا، وحتى لو تمكنت من ذلك يمكننا إيقافها بحقن الرسالة داخل جسم شخص مصاب لكي تأمر جينات الفيروس بالتوقف عن التكاثر.
العيب الثاني في الفيروسات هو إنها تعد أجسام غريبة للخلايا الدفاعية الموجودة في جسم الضحية. وتعتبر هذه مشكلة عظيمة إلى درجة أن الكثير من المرضى لا يموتون بسبب الإصابة بالفيروسات، بل بسبب ردة فعل خلاياهم الدفاعية نحو هذه الكائنات الغريبة، فإن ميدان اجسامهم لا يتحمل المعارك الشرسة التي تدور فيها بين الفيروسات والخلايا الدفاعية، فيبدأ بالتدهور والانقلاب والموت.
لا تزال الأبحاث جارية بشأن ايجاد حل لمنع هذه الجيوش الشرسة من مهاجمة الادوية وخلايا المرقعة من اجساد اشخاص اخرين في عملية زراعة الأعضاء. من المؤمل إن المفتاح سيكون في تغطية سطح الفيروس ببروتينات التي تتعرف عليها الخلايا الدفاعية على أنها جزء من خلايا الإنسان.
كيف يمكننا القضاء على الفيروسات ؟
كيف يمكننا القضاء على الفايروسات بعد ذلك؟ باختصار، هناك عدة طرق لإيقاف الفيروسات الضارة بقوة الفيروسات النافعة، نستطيع أن نبرمج جينات الفيروس النافع ليتعرف على أسطح الفيروسات الضارة ويتمسك بها ويمنعها من الدخول إلى خلايا جسم الإنسان. أو نستطيع أن نعدل جينات الفايروس النافع ليلتصق مع جينات الفيروس الضار المحقون داخل الخلايا البشرية، فيبطل مفعول ذلك الجين الضار بذلك، فيتسابق الاثنان لحقن جيناتهم لأكبر عدد من الخلايا. أو نستطيع أيضاً أن نحوّل الفيروس النافع إلى معقم يقضي على الفيروسات الضارة خارج جسم الإنسان، فنرشه مثلا على الأسطح والأدوات الأخرى لكي يقضي على الجراثيم.
لو صنعنا مثل هذا الفايروس الفتاك، سيصبح بأيدينا سلاحاً مدمراً بمثابة القنبلة النووية، ويجعلنا نفوز الحرب مع الفيروسات للأبد. لكن للأسف، تحرير الجينات لا زال في مراحله البدائية بسبب القوانين الأخلاقية والمهنية المفروضة عليه. هذه المخاوف الزائدة الغير منطقية من قيام بعض الدول بصنع أسلحة بيولوجية خطيرة عن طريق تحرير الجينات يجب أن تُجتاز من أجل انتفاع البشرية منه. يجب أن نتذكر أن دراسة اليورانيم وميكانيكة تنقيته لم تؤدي فقط إلى صناعة السلاح النووي، بل ايضاً إلى المحطات الكهربائية النووية التي أعطت الضوء لملايين من سكان العالم.
لن ننجو من الأمراض الفيروسية أبدا من دون استخدام تقنية تحرير الجينات، فالفيروسات تغير من نفسها وتقاوم اللقاحات المستكشفة والأدوية الموجودة وستظل على حالها ما لم يردعها فصيلة مشابهة لها، علينا أن نصنع وحشاً من نفسها لمهاجمتها.