المنهج العلمي هو مجموعة من التدابير والاجراءَات التي يمكن للشخص استعمالها لاكتساب معرفة علمية، وإتباث هذه المعرفة وتفسير كيف ولماذا تحدث الأشياء.
يحتوي المنهج العلمي على عدة مراحل تتضمن القيام بملاحظات، صياغة أسئلة، وضع فرضيات، القيام بالتجارب، تحليل البيانات، والخروج بنتيجة نهائية.
كل التجارب العلمية تقريبا التي تمت في إطار العلوم قد مرت بهذا المنهج، ولكنها أيضا تستعمل من طرف غير العلماء بشكل يومي تقريبا.
ليس من الضروري أن نفهم من هذا أن كل الحقائق العلمية الآن تم إتباثها عن طريق هذا المنهج العلمي، فمثلا هناك العديد من الفرضيات التي يصعب علينا القيام بتجربة من أجل إتباثها، كالقيام بتجربة على ديناصور مثلا، والذي انقرض قبل زمن بعيد، أو القيام بتجربة على نجم بعيد عنا بسنوات ضوئية، وفي مثل هذه الحالات هناك طرق أخرى كالنموذج العلمي الذي سبق وأشرنا إليه في مقال (الفرق بين الفرضية والنظرية العلمية).
مراحل المنهج العلمي
قد تختلف بعض التفاصيل في بعض المراحل وذلك حسب المجال العلمي الذي يريد الباحث أن يستعمل فيه هذا المنهج (فعلم النفس ليس هو علم الأحياء مثلا)، ولكن عموما تبقى المراحل واحدة وهي الخروج بنتيجة علمية انطلاقا من الملاحظة والتجربة.
1. الملاحظة
أول خطوة في المنهج العلمي هي أن تقوم بملاحظات في مكان وفي محيط معين. (مثلا كنت جالسا ثم سقطت عليك تفاحة، فهذه ملاحظة والتي من شأنها طرح بعض الأسئلة). قبل وضع الفرضيات وطرح الأسئلة، يجب على الشخص أولا أن يدون ملاحظاته لظاهرة معينة أو لشيء يرى أنه غريب أو ليس له تفسير علمي. فالمنهج العلمي معمول من أجل تفسير هذه الملاحظات ومعرفة الإجابة المتخفية وراءها.
2. طرح تساؤلات
في هذه المرحلة، على الشخص أن يطرح تساؤلات انطلاقا من الملاحظات التي قام بتدوينها، ومن بين هذه التساؤلات، نذكر على سبيل المثال:
كيف / لماذا حدث هذا الشيء ؟ كيف / لماذا حدث بهذه الطريقة بالذات ؟ … وغيرها من التساؤلات.
قد تجد أحيانا أن طرح التساؤلات تكون في المرحلة الأولى مع الملاحظة، فمثلا الشخص الذي سيلاحظ ظاهرة ما، سيقوم بعدها فورا بطرح تساؤلات تجاه هذه الظاهرة. وفي كلتا الحالتين فالخطوتين يمشيان معا في نفس الوقت، سواء طرحت تساؤلات في نفس الوقت أو في وقت لاحق، فلا فرق.
الآن بعد الملاحظة وطرح التساؤلات حول هذه الملاحظة، على الشخص أن يقوم بالبحث لمعرفة ما إذا كان لهذه التساؤلات أجوبة في الأساس، وبالتأكيد، يجب أن تكون هذه الأجوبة أجوبةً علمية ومبنية على أساس المنهج العلمي ذاته.
بعد البحث، سيكون أمام الشخص احتمالين: إما أن يجد أجوبة كما قلنا، أو أن لا يعثر على أجوبة وبالتالي فعليه أن يمرّ إلى المرحلة التالية.
3. وضع فرضيات
الفرضية وكما قلنا في مقال سابق، هي مجرد تخمين يضعه الشخص أو الباحث من أجل تفسير أو الإجابة على التساؤلات التي سبق وتم طرحها. وقد تكون هذه الإجابات صحيحة أو خاطئة، لكنها بأعين العلماء تظل مجرد فرضيات مادام أنها لم تمرّ بعد إلى المرحلة الموالية والتي هي التجربة.
يكمن الغرض الأساسي من وضع الفرضيات هو البدأ في التجربة، فبدون فرضيات لا يمكننا أن نبدأ بالقيام بتجربة. وبالتالي فالفرضيات هي مجرد فرضيات كما يقول معناها الحرفي، ومادامت هذه الفرضيات لم تُتبث صحتها بالتجربة والدلائل العلمية، فهي تظل تخمينات لا أكثر، وليس على الناس أن يُصدّقوا بهاته الفرضيات، حتى لو كانت تبدوا منطقية لهم.
4. التجربة
بعد وضع الفرضيات، على الباحث أن يقوم بالتجربة من أجل إتباث صحة هذه الفرضيات، والخروج بنتيجة معينة.
ربما هذه هي أصعب مرحلة في المنهج العلمي ككل، فالتجربة رغم بساطة الفكرة لها معايير عديدة ومتعددة وتختلف من مجال علمي لآخر، وربما قد نخصص مقال عن هذا الأمر مستقبلا.
لكن في هذا المقال، كل ما عليك أن تفهمه هو أن للتجربة 3 محاور أساسية:
المتغير المستقل: وهو متغير يتم تحديده من طرف الباحث.
المتغير التابع: وهو الشيء الذي يتم قياسه والذي يتأثر بالمتغير المستقل
متغير التحكم: وهو استعمال متغيرات مضبوطة ودقيقة من أجل أن تكون التجربة ناجحة وذات نتيجة صحيحة
مثال للتوضيح
لنفترض أننا نريد أن نجري تجربة عن تأثير الشمس على نمو نبتة العنب (مجرد مثال عبثي لفهم المحاور، لأنها جد ضرورية في التجربة).
ضوء الشمس في هذه الحالة سيكون المتغير المستقل، لأنه هو الموضوع أو بالأحرى أساس الفرضية التي قمنا بوضعها، أما المتغير التابع فهو نمو نبتة العنب والذي سيتأثر بالمتغير المستقل الذي هو ضوء الشمس.
أما متغير التحكم، فهو المتغير الذي سيتحكم بكل المتغيرات الأخرى، وعلى الباحث هنا أن يكون دقيقا في اختياره لنبات العنب ومكان التجربة، كأن يختار مكان يكون فيه ضوء الشمس بشكل دائم وليس مكان مظلم، كما أن بذور نبتة العنب يجب أن تكون متشابهة وأن يسقيها بنفس مقدار الماء …الخ، بالإضافة إلى تغيير مكان التجربة في كل مرة، مثلا في ضوء الشمس وفي الظلام لمقارنة هل فعلا يأثر ضوء الشمس على نمو هذه النبتة.
كلما كانت كل هذه المتغيرات دقيقة، كلما أدّى ذلك إلى نتيجة موضوعية وصحيحة.
بعد الإنتهاء من التجربة، والتي هي عبارة عن عدة تجارب في الحقيقة، يتم تجميع معلومات وبيانات متعددة، وتكون إما معلومات كمّية أي عبارة عن أرقام، أو معلومات نوعية أي أنها تصف التجربة.
5. تحليل البيانات
بعد تجميع البيانات وكل القياسات من التجربة، على الشخص الآن أن يقوم بتحليل هذه البيانات للخروج بنتيجة نهائية ومن أجل إتباث صحة الفرضيات التي قام بوضعها في البداية.
أغلبية البيانات الكمّية تُحلَّل بواسطة برامج إحصاء على الحاسوب، لكن في حالة كانت التجربة بسيطة ولا تحتاج إلى برامج من أجل تحليل بياناتها، فيمكن للشخص أن يقوم بالتحليل بنفسه وذلك بمقارنة كل المتغيرات والخروج بنتائج معينة.
في حالة كانت النتائج لا تطابق التوقعات التي توقعها الشخص أو الباحث، ففي هذه الحالة، عليه أن يكرر إما التجربة، وذلك بتغيير المتغيرات أو إضافة توقعات جديدة، أو أن يغير الفرضيات وأن يبدأ في تجربة جديدة من أجل إتباث الفرضيات مجددا.
6. النتيجة
إذا كانت كل الأمور سليمة وكل البيانات تَدعَم صحة الفرضية، فعلى الباحث الآن أن يشكل نتيجة نهائية مفادها أن الفرضية التي تم وضعها في بداية المنهج العلمي هي التي تفسر الظاهرة التي تم ملاحظتها في المرحلة الأولى، وهي التي تجيب على التساؤلات التي تم طرحها في المرحلة الثانية من المنهج. وبالتالي يصبح لدينا الآن تفسير علمي لظاهرة معينة بالتجارب العلمية وعلى أساس المنهج العلمي التجريبي.
بعد الانتهاء من تشكيل استنتاج وخلاصة لهذا البحث، على الباحث الآن أن يُقدّم ورقة بحثه إلى الأكاديميات العلمية أو المجلات العلمية المعروفة من أجل الاطلاع على البحث من طرف أخصائيين في المجال العلمي في مرحلة خارج المنهج العلمي تسمى (peer-reviewing)، ثم بعدها يتم نشر هذا البحث باسم الباحث، وها قد أصبح لدينا الآن تفسير جديد لظاهرة معينة لم نكن نعلم تفسيرها من قبل.
كيف تستخدم المنهج العلمي في يومك
نستخدم جميعا مراحل المنهج العلمي دون أن ندرك ذلك، فمثلا إذا كنت جالسا تقرأ هذا المقال وفجأة انطفأ هاتفك (الملاحظة) ستبدأ في طرح أسئلة مثل ” لماذا انطفأ هاتفي فجأة ؟ “، ” هل نفذت البطارية ؟” ثم ستنتقل إلى المرحلة الموالية وستبدأ في وضع فرضيات ك ” نفاذ البطارية هو السبب في انطفاء الهاتف ” ولإتباث صحة هذه الفرضية ستنتقل إلى المرحلة التالية والتي هي التجربة وستكون التجربة بأن تشحن الهاتف بالكهرباء، إذا اشتغل الهاتف فهذا يعني أن فرضيتك صحيحة وستنتهي بخلاصة مفادها أن انطفاء الهاتف فجأة كان نتيجة نفاذ البطارية، أما إذا لم يشتغل الهاتف بعد شحنه فحينها ستقوم بوضع فرضيات أخرى وتجارب أخرى إلى أن تجد تفسيرا للظاهرة أو الملاحظة الأولى وهي انطفاء الهاتف فجأة.
وبعيدا عن هذا المثال، أحببت الإشارة إلى نقطة مهمة في كيفية استخدام هذا المنهج العلمي في حياتك اليومية، وما نقصده هنا هو تعاملك مع المعلومات وكذا الآراء التي تتلقاها يوميا سواء في محيطك أو من الأنترنت، وقد سبق وتكلمنا عن كيفية معرفة المعلومات الصحيحة من المعلومات الخاطئة وهو مقال جميل وسينفعك، لكنني سأضيف على ذاك المقال بأن تضع كل المعلومات التي تتلقاها ـ خاصة العلمية ـ في إطار المنهج العلمي، وأن تطرح على نفسك الأسئلة التالية:
- هل هذه المعلومة العلمية صحيحة فعلا ؟
- هل مرّت بكل مراحل المنهج العلمي قبل نشرها ؟
- أين نُشرت هذه المعلومة ؟ في أي مجلة علمية نُشرت ؟
- هل المجلة التي نُشرت فيها هذه المعلومة هي مجلة موثوقة ؟
- ما اسم الباحث الذي نشر هذا البحث ؟ (طبعا لا يهم اسم الباحث، لكن أحيانا نجد معلومة منتشرة بدون اسم الباحث، وبالتالي فهي مدار شك)