الأنترنت هو محيط عميق مليء بالمعلومات، الأفكار، الآراء سواء كتابية كالمقالات والكتب أو بصرية وسمعية كالفيديوهات …
لكن الشيء الذي لا ينتبه له العديد من مستخدمي الأنترنت هو مدى تحديد صحة هذه المعلومات من خطأها ومدى تحديد المصادر الموثوقة والمعتمدة، فمنهم من يصدق أي شيء، ومنهم من يصدق ما يحلو له أو ما يجده في صالحه، فيرتكب بذلك مغالطات منطقية، كمغالطة الانحياز التأكيدي.
في هذا المقال، سنقوم بالإشارة الى المصادر الموثوقة التي على كل مستخدم أنترنت أن يلجأ إليها، وبعض الطرق لتحديد صحة المعلومات أو خطأها، سواء كان هدفك اكتساب معلومات أو هدف عملي كالقيام ببحث جامعي أو مدرسي.
المصادر الموثوقة الأولية
المصادر الأولية هي المصادر الأصلية للمعلومات، وتكون هذه المصادر متخصصة ومُدقَّقة ومُحدَّدة في دراسة أو بحث أو تجربة معينة، مما يصعب على القارئ العادي أن يفهم بشكل جيد هذه المصادر لأنه لا يكون على دراية أو متخصص في المجال الذي تمت فيه الدراسة أو البحث. فتأتي بذلك المصادر الثانوية والثالتة لتشرح وتبسط الموضوع أكثر.
تتجلى صحة المصادر الأولية في أنها معلومات صحيحة وموثوقة، بأنها تمرّ بمرحلة تدقيق من خبراء في المجال قبل أن يتم نشرها في المجتمع العلمي أو الأكاديمية العلمية. فعندما يقوم الباحث بنشر ورقة البحث العلمية لمجلة علمية معينة، تقوم المجلة بمراجعة هذا البحث بواسطة خبراء من نفس المجال، ثم بعد ذلك، يكون من صالح هذه المجلة سواء أدبيا أو ماديا أن تنشر هذه البحث.
وجب الذكر في هذا الصدد أن المجلات العلمية كثيرة، إذ أن بعضها قد يكون همه الأكبر هو الربح فقط. مما يعني أنها قد تنشر أي ورقة بحث علمية عُرضت عليها، وبالتالي فقد تكون هذه الأبحاث غير دقيقة أو خاطئة.
ولتجنب الوقوع في هذا الخطأ، على القارئ أن يتأكد من مصداقية المجلة العلمية التي نُشر فيها البحث، وذلك عن طريق إلقاء نظرة على الموقع الالكتروني للمجلة والتأكد من أنها تُراجع من قبل أخصائيين وعلماء. لا يوجد مصطلح عربي لهذه الكلمة، لكن اسمها بالانجليزية هو (peer review). فإن لم تكن المجلة (peer reviewed) يُستحسن عدم الإطلاع عليها والبحث في مجلة علمية أخرى.
جوجل سكولار
جوجل سكولار (Google Scholar) هو محرك بحث مختلف جدا عن محرك البحث جوجل العادي الذي يعرفه أغلبية الناس. يقوم جوجل سكولار بإظهار الأبحاث والدراسات والمؤلفات العلمية فقط، وغالبا ما تكون هذه الأبحاث أولية، مما يعني أنها مصدر أولي ممتاز لكل باحث. (طبعا على القارئ أن يطلع دائما على مصداقية المجلة في جميع الأحوال) لأن جوجل سكولار في هذه الحالة، تقوم بعرض النتائج لا غير.
يمكنك أن تلاحظ مدى الاختلاف بين جوجل سكولار وجوجل العادي بالقيام بتجربة بسيطة، والتي سنقوم بها معا.
إذا قمنا بالبحث عن كلمة ” بوغطاط ” مثلا، في محرك البحث جوجل، فسنجد أن جوجل وجد 37 ألف نتيجة أو موقع يتحدث عن ” بوغطاط “.
لكن لو قمنا بالبحث عن نفس الكلمة في محرك البحث جوجل سكولار، فلن يعطينا أي نتيجة، وكأن جوجل سكولار يجيبك بأن هذه الكلمة لا يوجد لها وجود في المحتوى العلمي.
وبالمناسبة، لمن لا يعرف ” بوغطاط ” هو مرض شلل النوم في الأصل، لكن ما زال بعض الناس يعتقدون بوجود شبح أو جن هو المسؤول عن هذا الشلل الذي يحدث أثناء النوم. وأطلقو عليه اسم ” بوغطاط “. لا أعلم كيف كيف تمت تسميته، لكن المهم هو أن هذا المصطلح غير علمي 🙂
هناك عدة مواقع أخرى تتيح خاصية البحث عن المصادر الأولى، نذكر من بينها موقع Springer الذي يعرض أكثر من 300 ألف كتاب ومجلات علمية.
موقع (Journal of Biology) لمن يودّ البحث في المجال البيولوجي، وموقع (PubMed) لمن يودّ البحث في المجال الطبي.
المصادر الموثوقة الثانية والثالثة
كما ذكرنا سابقا، تكون المصادر الأولية صعبة الفهم للقارئ العادي والغير متخصص في المجال. لهذا تأتي المصادر الثانية لتشرح وتبسط وتلخص المصادر الموثوقة الأولى، سواء عن طريق كتب دراسية أو موسوعات. ثم بعد ذلك تأتي المصادر الثالثة لتشرح وتبسط أكثر هذه المصادر الثانية والأولية، وذلك بواسطة كتب علمية أو مقالات أو حتى فيديوهات.
في المصادر الأولية، قلنا أن على القارئ أن يتأكد من أن المجلة أو الكتاب تمت مراجعته من قبل أخاصئيين في المجال. أما في المصادر الثانية فعلى القارئ أن يعود دائما إلى المصدر الأولي للمعلومة للتأكد منها. (لكنك قلت أن المصادر الأولى صعبة الفهم، فكيف سنفهم؟؟) حسنا، نسيت أن أذكر أن الأبحاث العلمية (المصادر الأولية) تمنحك ملخص صغير Abstract عن ماهية البحث ودراساته ونتائجه. فلو كان هذا مطابق لما هو موجود في المصادر الثانية، يعني أن المصادر الثانية جيدة ويمكن الإعتماد عليها. ونفس الشيء ينطبق على المصادر الثالثة.
في أغلب الأحوال، المصادر الموثوقة المعتمدة هي المصادر الأولية والثانية والثالثة. أي بعبارة أخرى؛ الأبحاث العلمية الأولية، والموسوعات والكتب الدراسية.
ملاحظة: الكتب الدراسية ليس المقصود بها الكتب المدرسية التي تُدرس في المدارس، بل الكتب العلمية العامة، وغالبا ما تكون هذه الكتب تحمل عنوان واحد فقط يشير إلى المجال الذي تتحدث عنه هذه الكتب. مثلا كتاب ” البيولوجيا ” أوكتاب يحمل عنوان ” علم الأجنة ” … الخ
هل ويكيبيديا موقع موثوق ؟
الجواب هو لا بطبيعة الحال، أما لماذا، فلإن ويكيبيديا موقع يتيح لأي شخص كان أن يكتب فيه أو يعدل على أي مقال. ولأن أي شخص يمكنه أن يكتب في هذا الموقع، فهذا يعني أن المعلومات التي فيه ليس بالضرورة معلومات صحيحة، ويمكن أن تكون معلومات خاطئة (شخصيا قمت بتصحيح بعض الأخطاء في مقال لويكيبيديا عن المثلية الجنسية، إذ كان المقال به أسلوب عنصري وترهيبي تجاه المثليين، وهو ما يناقض تماما معايير كتابة مقالات علمية)
إذا كنت باحث أو طالب جامعي، فلا تلجأ لويكيبيديا كمصدر لبحثك، إلا في حالات استثنائية كمراجعتك للمراجع المرفَقَة في المقال، والتي عليها بدورها أن تكون مراجع لمصادر موثوقة.
شخصيا أستعين بويكيبيديا لمعرفة التعاريف والمفاهيم فقط. مثلا مفهوم الديموقراطية، لا أعتقد أنني سأحتاج إلى مصدر أولي أو كتاب لمصدر ثاني كي أفهم هذه الكلمة. غير ذلك، من الأفضل أن تترك ويكيبيديا آخر خيار، أو أن تراجع المراجع المُرفَقَة في المقال الذي ترغب في قراءته، وعلى هذه المراجع طبعا أن تكون موثوقة.
مواقع التواصل الاجتماعي
نفس الشيء بالنسبة لموقع ويكيبيديا، تعتبر مواقع التواصل الاجتماعي فضاء ضخم لتبادل المعلومات والأخبار، وللأسف الشديد، الأغلبية من متصفحي مواقع التواصل الاجتماعي يصدقون أغلبية المعلومات التي يتلقونها من هذه المواقع.
ماذا لو كتب العالم ريتشارد دوكينز معلومة على صفحته على فايسبوك ؟ هل نصدقه أم لا ؟
طبعا لكل شخص الحرية في التعبير عن رأيه، ومن بين هؤلاء الأشخاص: العلماء. لكن هذا لا يعني أن أي رأي يُصرّحون به، هو بمثابة معلومات صحيحة ومعتمدة، وقد شرحنا هذا في مقال للمغالطات المنطقية، وتحديدا مغالطة الاحتكام إلى السلطة.
آراء الناس تعود إليهم، ولا يمكن الاعتماد عليها كمصدر موثوق للمعلومات.
وكي نجيب على السؤال الأخير باختصار؛ لا تصدق أي شيء اصطدمت به على مواقع التواصل الاجتماعي إلا إذا كان مُرفَقًا بمراجع أو مصادر موثوقة.
الكتب والمقالات
ولنضع ختاما لهذا المقال، ننصحك بتطبيق مبدأ ” معلومة بدون مصدر هي معلومة مشكوكة ” في كل كتاب ومقال تقرأه على الأنترنت، حاول أن تطّلع أيضا على المغالطات المنطقية التي ستساعدك كثيرا في التمييز بين المعلومات الصحيحة الموثوقة والخاطئة والمزيفة.
مثال: إذا اطّلعتَ على مقال بعنوان ” دراسة تُتبث أن كدا كدا … ” فمن المرجح أن صاحب المقال سيشير إلى هذه الدراسة أو الدراسات سواء في نهاية المقال أو ضمنه. ومن الضروري أن يشير إلى مصادر أولية أو على الأقل مصادر ثانية أو ثالثة، وإلا فسيكون المقال مشكوك في صحته.
عند قراءتك لكل كتاب، تجنب ارتكاب مغالطة الانحياز التأكيدي، وتذكر أن للكاتب آراءه الشخصية.
أما بالنسبة للكتب العلمية فتأكد من وجود مراجع مرفقة في نهاية الكتاب، كما أن عليك التأكد من صحة هذه المراجع. والتي غالبا ما تكون قد تمت مراجعتها من قبل من طرف أكاديميات علمية قبل نشر الكتاب. لأن من الصعب على القارئ العادي أن يتأكد من صحة كل هذه المراجع. فمثلا كتاب علم النفس التطوري للعالم دافيد باس، يحتوي على أكثر من 400 مرجع. إذا ما قمت بقراءة كل هذه المراجع، خلاص روح صير عالم فمكانو أحسن.
اقرأ أيضا: كيف تفرق بين العلوم الحقيقية والعلوم الزائفة
انتم تطلبون من القارئ ان يكون ( عالم ) في جميع تخصصات الحياة ..
حتى يستطيع ان يقرأ المعلومات الموثقة ..
الملاحظة
لماذا تفتحون ( كوكل ) لكل البشر .. ؟
لماذا لانحل مشكلة كوكل ( بالحوكمة ) حتى يستطيع القارئ مطمئن ..
شكرا جزيلا، لقد كان المقال مفيد اتمنى ان تكتبوا عن المغالطات المنطقية
شكرا جزيلا، لقد كان المقال مفيد اتمنى ان تكتبوا عن المغالطات المنطقية
شكرا جزيلا أتمنى لك الكثير من ليال هنيئة بدون بوغطاط