in ,

قلة النوم وتأثيرها على صحتنا النفسية والجسدية وكدا علاقاتنا الاجتماعية

قلة النوم

على مر القرون، طوّر جسم الإنسان أساليب طبيعية بعوامل بيلوجية وبيئية لتحديد وقت النوم والأكل. فقد كان الإنسان قديما ينام فور حلول الظلام، وذلك تجنبا للمخاطر التي قد تسببها الظلمة لبقاءه، كالحيوانات المفترسة. لكن اليوم ومع التقدم المستمر في التكنلوجيا، زادت قلة النوم أثناء الليل بوقت كثير عما كان أجدادنا يفعلون، وأصبح المصباح الكهربائي يحل محل مشكلة الظلمة التي كان يعاني منها أجدادنا، فأصبحنا بذلك نستغل هذا الوقت لصالح رغباتنا وحاجياتنا، الشيء الذي قد يأثر سلبا على صحتنا النفسية والجسدية إذ أننا تَمرّدنا عن طبيعتنا البيولوجية التي ورثناها عن أجدادنا قبل آلاف السنين.

يفكر العديد من الناس أن النوم هو إعادة شحن بالنسبة لهم، إذا يعتقد بعضهم أن قلة النوم لا تسبب أي مشاكل، كهواتفنا الذكية التي تستطيع العمل بنفس الطريقة حتى لو كان شحنها ضعيف.

لكن النوم في الحقيقة عكس هذه الفكرة تماما، فنحن نحتاج إلى شحن جيد من أجل يوم مفعمٍ بالحيوية والنشاط.

وعلى الرغم من ذلك تبقى فكرة أن النوم هو شبيه بالبطارية أو الشحن، فكرة ليست صحيحة، فالنوم ليس مجرد إغماض عيوننا في مكان مظلم، وإنما هو عملية ديناميكية أكثر. فقد تكون فاقدا للوعي، لكن عقلك اللاواعي سيستمر في العمل خلال كل فترة نومك، إذ يقوم بترتيب الذكريات وترتيب تجارب اليوم السابق والأيام الأخرى …الخ.



قلة النوم حسب المناطق الزمنية

في دراسة جديدة نشرت في مجلة (Journal of Health Economics) توضح المناطق الزمنية التي بإمكانها المساعدة في شرح الآثار الصحية والاقتصادية المترتبة على ” اضطراب طور النمو المتأخر “

كلنا نعلم أن كوكب الأرض يدور بشكل مائل بمقدار 23.5 درجة، مما يعني أن هناك اختلاف في وقت الليل والنهار بين عدة مناطق، فقد تلاحظ أن الشمس تغرب في أوقات مختلفة من اليوم حسب المكان الذي توجد فيه داخل منطقتك الزمنية. وحسب الدراسة فإن الشمس تشرق وتغرب في أوقات مبكرة على المناطق الشرقية، كما أنها تتأخر في المناطق الغربية.

لكن في موضوعنا هذا، غروب الشمس هو المهم لبنيتنا البيولوجية، إذ توضح الأبحاث أنه فور حلول الظلام، يفرز الدماغ هرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم الإيقاع الحيوي، مما يجعلنا نشعر برغبة في النوم.

في هذه الدراسة، استنتج الباحثون أن الأشخاص الذين يقطنون في أقصى الشرق يعترضون لغروب شمس مبكر، وبالتالي يميلون إلى النوم باكرا مقارنة بالأشخاص الذين يعيشون في أقصى الغرب، والذين يميلون إلى النوم في أوقات متأخرة.

ونظرا لأن الجداول الزمنية للعمل والمدارس لا تميل إلى أن تكون مرنة، فإن الأشخاص الذين يعيشون على الجانب الغربي يعانون من حرمان في النوم، وبالتالي تقل نسبة أن يناموا 8 ساعات (العدد الطبيعي) وتزيد نسبة أن يناموا أقل من 6 ساعات أثناء الليل، وهو عدد ساعات قليل مقارنة بالعدد المطلوب أو الطبيعي. وتكون هذه المشكلة أكثر عند الأشخاص الذين يتعين عليهم الذهاب إلى العمل أو المدرسة في الصباح الباكر.


تأثير قلة النوم على الصحة

تمكن الباحثون من إثبات أن الحرمان من النوم يؤدي إلى مشاكل صحية. وعلى وجه التحديد، فإن الأشخاص الذين يعيشون على الجانب الغربي من مناطقهم الزمنية هم أكثر عرضة لزيادة الوزن بنسبة 11 في المائة. كما أنها أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية وسرطان الثدي.

أخد الكُتّاب تحليلاتهم بتقدم آخر إلى الأمام، وذكر بعضهم أن الحرمان من النوم والمشاكل الصحية التي ترافقه، قد تؤدي إلى تفكير ضبابي، ونقص في الإنتاجية، وقد يؤثر ذلك في النهاية على قدرة الشخص على كسب المال.



تأثير قلة النوم على الكسب المالي

استخدم هؤلاء الكُتّاب بيانات استطلاعات الرأي لطرح السؤال التالي: هل يكسب الأشخاص الذين يعيشون على الجانب الغربي من المناطق الزمنية أموالا أقل ؟ فكان الجواب نعم. ووجدت دراستهم في النهاية أن الأجور تميل إلى أن تكون أقل بنسبة 3%.


تأثير قلة النوم على حياتنا الاجتماعية

إن ما لا يدركه العديد من الناس أن قلة النوم قد يكون لها تأثير خفي وغير مباشر على حياتهم الاجتماعية أيضا.

في مقال نشر سنة 2017 لعالمة النفس (Amie Gordon) وزملاءها في جامعة كاليفورنيا. اتّفقوا بأن النوم وحياتنا الاجتماعية متشابكان ومترابطان. يعني إذا ما عانينا من مشاكل في النوم، فعلاقاتنا الاجتماعية ستعاني مشاكل أيضا. والعكس صحيح، أي إن كانت علاقاتنا الاجتماعية بها مشاكل، فسنعاني مشاكل في النوم أيضا.

على الرغم من أن الآثار السلبية لقلة النوم معروفة على نطاق واسع، إلا أن علماء النفس أو الأشخاص العاديين يُولّون الكثير من الاهتمام إلى الجانب الاجتماعي للنوم. ويشير المقال الذي نُشر في 2017 إلى 3 مجالات معروفة بأنها متأثرة بقلة النوم:

1. العلاقات الوثيقة:

يفضل بعض الناس النوم بمفردهم في أَسِرَّتهم، ويفضل البعض الآخر النوم مع شركائهم (في حالة الزواج أو العلاقة الحميمية)، لكن الأمر الشائع في أغلب الثقافات هو النوم المشترك.

عندما يعاني أحد الشركاء من قلة النوم في ليلة سابقة، فقد يكون هناك المزيد من الصراعات بينهم في اليوم التالي. ويعود سبب ذلك لقلة الترابط العاطفي بين الشركاء حتى ولو كان أحدهم ينعم بنوم طبيعي وجيد.

علاوة على ذلك، يفيد الأزواج بأنهم يواجهون صعوبة أكبر في النوم عندما يتعرضون لصراعات في العلاقة بينهم، خاصة في وقت متأخر من النهار، وبالتالي يمكن للأزواج الوقوع بسهولة في حلقة مفرغة من صراعات العلاقة وقلة النوم.

2. الإدراك الحسي للشخص:

يحتاج التفاعل بفعلاية مع الآخرين إلى قراءة تعبيرات الوجه العاطفية بشكل دقيق. لكن الأشخاص الذين يعانون من قلة النوم يجدون صعوبة أكبر في القيام بذلك.

وفي نفس الدراسة، واجه المشاركون بعد قضائهم لليلة بلا نوم، صعوبات في تقدير مشاعر السعادة أو الغضب في بعض الصور التي طُرحت عليهم. لكنهم استطاعوا تقدير تلك المشاعر بعد قضائهم لليلة نوم مريحة وطبيعية.

بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن ينخرط الأفراد في تفكير نمطي ومنحاز عندما لا يَتنعّمون بقسط كافي من النوم. تعد القدرة على قراءة مشاعر الأشخاص غير المألوفين وتثبيط التفكير المتحيز أمرًا ضروريًا لضمان حسن سير العمل في معظم بيئات العمل، لذا فإن عدم الحصول على قسط كاف من النوم يمكن أن يؤثر على أداء عملك أيضًا.

3. الظغط الاجتماعي:

يمكن للتجارب السلبية كالنزاعات مع أحد الزوجين أو أحد أفراد الأسرة، أو الشعور بالرفض، أو التعرض للعنصرية، أن تأثر على النوم وتقلل نسبته.

على الرغم من أن هذه النزاعات أمر لا مفر منه، لكن قدرتنا على التعامل معها مرتبطة بمدى راحتنا. ولتخطي هذه الصراعات، فعلينا أن ننظم عواطفنا وتقييم مشاعرنا ووضعها في منظورها الصحيح، إذا أن ذلك يكون بعيد المنال، خاصة أننا لن نحظى بالنوم الجيد. وسندور في حلقة مفرغة كما في العلاقات الوثيقة، بين الظغوطات الاجتماعية وقلة النوم.



خلاصة

تأثر قلة النوم على صحتنا وعلاقاتنا الاجتماعية، مما يعني أن حالاتنا النفسية قد تتأثر أيضا. زد على ذلك أن عقولنا ليست كبطاريات هواتفنا الذكية، فهي تحتاج إلى شحن جيد كي تعمل بشكل جيد.

حاول أن تقلل من مشاهدة التلفاز أو الهاتف أثناء استلقاءك على السرير، وفكر في المشاكل الصحية وكذا المالية التي ستواجهك في المستقبل بسبب قلة النوم.


Avatar for فكر حر

كُتب بواسطة فكر حر

التعليقات

اترك تعليقاً

Avatar for فكر حر

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Loading…

0