in ,

“قانون البوابين”: ضرورة ملحة لحماية أمن المواطنين وسلامة المجتمع المصري

قانون البوابين عمرو سليم

بقلم – عمرو سليم: (عضو التحالف العالمي لمنع الجريمة والعدالة الجنائية، التابع للأمم المتحدة)

تعلمنا جميعًا في مختلف مجالاتنا أن لكل مهنة ضوابط رسمية وقانونية مُنظمة لها، من خلال لوائح وقوانين تحدد مسؤوليات وواجبات وحقوق الموظف أو العامل أو أي كان مهنته أو حتى الخدمة التي يقوم بها، فالشىء الذي لا يوجد له ضوابط منظمة يضر أكثر ما يفيد .. بل يمكن أن لا يفيد على الإطلاق، وتصبح سلبياته وكوارثه على المجتمع فادحة يكتوي بنيرانها الجميع، وهذا ما رأيته خلال حريق حدث في أحد العقارات حين سارعت المطافي والشرطة والإسعاف وخلال أقل من 10 دقائق وصلوا جميعهم لمكان الحريق، أي أن الأداء الرسمي كان في منتهى الكفاءة، إلا إن العجيب في الأمر أنه عندما عاتب بعض السكان حارس العقار عن عدم إبلاغه لهم بأن هناك شقة تحترق ليتخذوا إحتياطاتهم ولا يُتركوا غفله ليصبحوا ضحايا للنيران المشتعلة أو للدخان المتصاعد منها، فأكد أنه لم يخطىء بل تجمع مع أسرته وأقربائه وأصدقائهم وحاولوا الاشتباك مع بعض  السكان لأنهم تجرأوا وطالبوا بأن يقوم حارس العقار بمتابعة أبسط مهام وظيفته، فخطأ أو سهو من شخص لا يعرف متطلبات وظيفته يمكن أن يتسبب في كوارث عديدة لا يعلم مداها إلا الله، لذلك يجب وضع ضوابط قانونية لتلك المهنة بشكل منظم ورسمي، فالتحديات الكثيرة المجتمعية والأمنية أصبحت تتطلب التحرك السريع الحاسم من جانب السلطة التشريعية في البلاد لسرعة سن القانون وتكليف السلطة التنفيذية بمتابعة تطبيقه على أرض الواقع.



البيه البواب

رأى الكثير منا فيلم “البيه البواب” للرائع الفنان أحمد زكي رحمه الله، وكيف أدى ببراعة دور البواب “عبد السميع” الذي ينتقل للقاهرة مع زوجته وأولاده ليعمل في إحدى العمارات كحارس عقار ليتحول خلال وقت قصير لبواب وسمسار وتاجر معًا، وتصبح مهنته الأساسية كحارس للعقار من باب التسلية أو ليست على قائمة أفكاره من الأساس، وكيف زادت المشاكل والأزمات في العمارة التي من المفترض أن يحرسها لتتحول إلى مرتع للفوضى والإهمال.

أعزائي نموذج “عبد السميع” ليس شخصية سينمائية خيالية، فابحث حولك ربما تجده بكل سهولة، هناك بعض البوابين الآن قد تحولوا لسماسرة وتجار وسائقين وسُياس ومنادين للسيارات، وغيرها من المهن، في الوقت الذي تزايدت فيه التحديات الاجتماعية، وأصبح من الضروري أن يُباشر العقار ويحرسه شخص قادر على القيام بتلك المهمة ويعرف تحدياتها. حارس العقار مهنة مثل أي مهنة ينبغي أن يكون لها رخصة رسمية قانونية للمزاولة، ويجب التأكد أمنيًا من جانب الأجهزة الشرطية من قدرته على أداء وظيفته، فضلًا عن سلوكه وسجله الأمني الناصع، فلا نريد جميعًا أن يستغل المتطرفين أو الإرهابيين أو المجرمين ذلك الأمر ليتخفى البعض منهم داخل تلك المهنة بصورة خطيرة تضر بالمجتمع وبالمواطنين وتهدد أمنهم واستقرارهم، ولا ننسى أن وجود حارس عقار منظم ومؤهل ذو سجل أمني نظيف سيكون له بالغ الأثر في التخفيف عن كاهل رجال الشرطة من خلال تقليل معدل الجريمة والسرقات، لذلك من الضروري فرز أصحاب تلك المهنة لبيان المناسب منهم من عدمه.

لا يوجد عقار ليس له حارس، وبالتالي فوجود ملايين الأبنية يحتاج لملايين من حراس العقارات، أي أن الأمر أصبح ضروري للغاية التحرك الرسمي لتقنين وضع تلك الفئة المجتمعية، وإصدار قانون يضمن حقوقهم ويحدد واجباتهم ومسؤوليتهم بصورة حاسمة محددة مضبوطة لا تخضع لرؤية بعش الأفراد أو وجهات نظر بل ينظمها القانون الحاسم وحده.

 مفيش معلش 

“معلش” ، “كبر دماغك”، هنعمل ايه يعني!” .. كل تلك الجمل التي ليس لها محل من الإعراب لدى الكثير من المجتمعات الأوروبية للأسف أصبحت مرافقة لألسنة العديد من الأفراد بشكل مؤسف للغاية، دعوني أطرح عليكم مثال بسيط لمهنة حارس العقار في دولة مثل ألمانيا، من يعمل بتلك المهنة هناك يجب أن يخضع لتدريب مدته عام كامل يدرس فيه واجباته ومسؤولياته كحارس للعقار، ويعرف أيضا حقوقه، كما أنه يجب أن يحصل على موافقات وتصريحات رسمية، وهناك لائحة وقانون وجهة رسمية تُشرف عليه وتحاسبه في حال التقصير أو مخالفته لمهامه الوظيفية، فضلًا عن متابعة شكاوى سكان العقار والتي يُحال فيها فورًا للتحقيق لبيان الأمر والمحاسبة الفورية إذا أخطأ. روى لى أحد الزملاء المقيمين في ألمانيا هناك، أنه حدث ووجد مصباح السلم بالعقار لا يعمل فأبلغ الحارس، وعندما عاد مساءًا كاد أن يسقط على الأرض جراء الظلام، فتقدم بشكوى رسمية ضد الحارس لأنه لم يقم بتغيير المصباح التالف فور إبلاغه بالأمر، فكان العقاب فوري ضد البواب لأنه لم ينفذ مهام وظيفته، الأمر هنا ليس “حداقة .. فهلوة .. شطارة”، بل هناك لوائح حاسمة تحاسب المقصر.



قانون حاسم

قرأت ببعض المواقع الإلكترونية منذ ما يزيد عن عامان بالتحديد في بداية عام 2018، أن أحد أعضاء مجلس النواب استعد ليتقدم بمشروع قانون لتقنين مهنة “حراس العقارات” بتشريع منضبط يضع ضوابط قانونية لتلك المهنة، وينظمها مثل غيرها من المهن. أتمنى أن نرى قريبًا خروج ذلك التشريع للنور ليكون على رأس أولويات المجلس القادم، ليبدأ تنفيذه من جانب السلطات المختصة على أرض الواقع، فأعتقد أن وجود ذلك القانون أصبح الآن ضرورة قصوى مجتمعية وأمنية ومهنية.

تقوم أجهزة الدولة بكل جهودها لتقنين أوضاع العديد من المهن التي للأسف تُركت قبل ذلك عقود طويلة بدون تقنين، وبالرغم مما نسمعه من معارضات هدامة لدى بعض محبي ثقافة الفوضى، إلا إننا نقف جميعًا خلف السلطات المختصة لننادي بوضع ضوابط حاسمة للعديد من الأمور التي إذا تُركت بدون رقابة رسمية، ومتابعة مهنية سيكون المجتمع وأمن المواطين وسلامتهم أبرز المتضررين منها، فتلك الأمور لن نبالغ إذا قلنا أنها من أساسيات الأمن القومي للبلاد.

Avatar for عمرو سليم

كُتب بواسطة عمرو سليم

التعليقات

اترك تعليقاً

Avatar for عمرو سليم

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Loading…

0