الإعدام هو نوع من العقوبة تُخصص عادة لأولئك الذين ارتكبوا أبشع الجرائم. تحديد بشاعة الجريمة يبقى نسبيا جدا، فهنالك مثلا السعودية التي تحكم بالإعدام على المرتدين والمعارضين السياسيين، بل وتحكم أيضا بالإعدام على من تسميهم، وتصفهم بالساحرات. موريتانيا إيران باكيستنا ودول إسلامية أخرى مثلا، تحكم بالاعدام على من تسميهم بالمرتدين، وبعض الولايات بأمريكا تصدر حكم الإعدام في حق جرائم القتل وغيرها الكثير.
فالضرر الذي ينتج عن طريق جريمة مواطن لمواطن آخر يعتبر مرفوضا وغير مبرر أخلاقيا، لكن الضرر الذي يحدث باسم العقاب من طرف الدولة يختلف عن ذلك، لأنه يعتقد أن العقوبة كالسجن أو الإعدام مبررة أخلاقيا.
نعلم أن قانون حمورابي الذي يعتبر أقدم وثيقة قانون بشري مكتوب، والتي تعود ل2100 سنة قبل الميلاد، شرّعت للإعدام في حالة القتل والخيانة الزوجية. يجب أن نعرف أنه خلال ذلك الزمن، لم تكن هنالك سجون، بمعنى أن عقوبة سلب الحرية لم تكن قد اخترعت من بعد بالشكل الذي نعرفه اليوم، لكن كانت هنالك أشكال أخرى للعقاب كالعبودية والغرامات المالية، ويصعب إيجاد حضارة عبر التاريخ تخلو من عقوبة الإعدام. الاغريق والروم وحتى الديانات الابراهيمية، كلها شرّعت قوانين سالبة للحرية.
أما حقيقة أن الأديان تبنت عقوبة الإعدام في تشريعاته له علاقة بالسياق التاريخي والثقافي الذي نشأت فيه هذه الأديان، فنعلم أن الآلهة كانت تصور بأنها مستعدة دائما لانزال العقاب على من يخالفون تعاليمها، ومن هذا المنطلق يتم أيضا تبرير وتشريع قوانين تتماشى مع إرادة الآلهة وتصورها الأخلاقي للجريمة والعقاب.
موقف الفلسفة من الإعدام
أما من منظور الفلسفة نجد أن هنالك العديد من الفلاسفة الذين دافعوا عن عقوبة الإعدام، على سبيل المثال جون لوك، روسو، كانت وأيضا هيجل.
بالنسبة لجون لوك، كل من اقترف جريمة قتل لم يعد له الحق في الإنتساب للمجتمع البشري ويجب التعامل معه مثل الحيوانات المفترسة.
كانت وهيجل اعتبروا الإعدام هو العقاب الأكثر ملائمة لجريمة القتل، لكن كما في بقية الأسئلة الأخلاقية والفلسفية لحسن الحظ، لذلك نجد أيضا خلافا بين الفلاسفة حول موقفهم من الإعدام، فسيزار باكارياس وهو كاتب إيطالي، تزامن أن عاش في الوقت الذي عاش فيه أيضا روسو، له موقف آخر من عقوبة الإعدام، إذ أنه يعتبرها عقوبة مخففة، ويدعو إلى استبدال الإعدام بالسجن المؤبد مع الأعمال الشاقة.
ألبير كامو اعتبر أن الإعدام كنوع من القساس يدخل في عالم الطبيعة والغرائز وليس عالم القانون، والقانون يجب أن يعكس عقلانية الإنسان وليس الغرائز البدائية، وبالتالي فكامو يعتبر الإعدام جريمة، وبالنسبة له كل واحد يجب أن يحصل على فرصة للندم وإعادة إصلاح خطأه، لكننا لا نستطيع التفكير في شيء يمكن إصلاحه أو يمكن تعويض المقتول به، وأيضا لا شيء يمكن أن يعوض أهل المقتول، طبعا يستطيع ربما القاتل أن يندم ويشعر بالندم، لكن لا يوجد شيء يمكن له إصلاحه.
هل يحق للدولة تطبيق الإعدام؟
لكن عودة للسؤال الأهم هنا: متى يحق للدولة مصادرة الحق في الحياة، نتفق أولا أنه من أجل الدفاع عن الوطن، أي في حالة الحرب أو المواجهة مع عناصر مسلحة خارجة عن القانون، فهنا يحق للدولة ممارسة القتل، لأن هنالك تعاقد بين المواطنين والدولة من أجل حماية حقهم في الحياة، فقتل العدو هو بالنسبة للدولة شر لابد منه من أجل رد شر وتهديد أكبر.
هنالك أيضا تعاقد بين الدولة والمواطنين فيما يخص تحقيق العدالة، فحينما يتعرض مواطن لظلم ما، فإنه يتجه للقضاء من أجل البت في دعوى المظلومية، هناك يتم معاقبة المعتدي طبقا لما ينص عليه القانون ومن ثم الحكم بالتعويض أو الحبس أو هما معا، لكن ماذا عن الجرائم التي يقوم فيها أحد المواطنين بمصادرة حق فرد آخر في الحياة، ماهي إذن العقوبة التي يستحقها القاتل ؟ أليس من العدل أن نطبق مبدأ العين بالعين بحيث تكون العقوبة هي الإعدام ؟ كانت وهيجل سيقولان نعم، من قتل يجب أن يتحمل مسؤولية فعله ويستحق أيضا الموت مقتولا احتراما لكرامة المقتول.
بديهي جدا أن لا أحد ينكر أو يرفض أن القاتل يجب أن ينال عقابه، لكن المشكل هو هل الإعدام عقاب يحقق العدالة ؟ هنا نسمع من الكثيرين أن الإعدام لا يحقق العدالة بل يخلق مشكل آخر، إذ كيف يمكن معالجة جرم بجرم آخر، يبدو هذا موقف متماسك، إذ كيف يمكن أن نرفض قتل الناس ثم نعاقب بالقتل، أو كيف يمكن أن نرفض الإغتصاب ثم نعاقب بالاغتصاب أو نرفض التعذيب ثم نعاقب بالتعذيب، فمنطق العين بالعين والسن بالسن لا يمكن تطبيقه مع من مارس جريمة الاغتصاب، أو مثال آخر من سرق لي هاتفا يجب أن تحكم العدالة بأن يسرق له هاتفه، وأقول يسرق ليس يصادر أو يحجز أي أن يؤخد منه دون علمه، لأنه فقط هكذا نكون طبقنا مبدأ العين بالعين، ومن هنا يظهر لنا سذاجة وبدائية هذا المبدأ.
لكن ماذا نقول عن من قام بسجن بناته لعدة سنوات داخل مرآب تحت منزله، مثل هذه الحوادث حصلت بالنمسا، لماذا لا نرفض أيضا عقابه بالسجن تحت نفس المبرر ونقول لا يمكننا أن نسلب حق شخص في الحرية لأنه سلب حرية شخص آخر.
وبالتالي هذه الحجة قد تبدو لكثيرين غير كافية وغير مقنعة لرفض عقوبة الإعدام، لكن ماذا عن حجة أخرى: كيف يمكننا أن نتأكد 100 % أن المحكوم بالإعدام فعلا هو المجرم، فحتى ببعض الولايات المتحدة التي تخصص الملايين من الدولارات لكل قضية إعدام كي يثبتوا أن المدان حقا ارتكب الجرم، نجد أن هنالك قصص كثيرة لأناس حكم عليهم بالإعدام ليتم بعد سنوات اكتشاف برائتهم وظهور المجرمين الحقيقيين، يحصل هذا بالولايات المتحدة رغم مبدأ استقلالية القضاء وتوفر الإمكانات اللوجيستيكية والمادية للتحقيق، فماذا سيكون الوضع بدول العالم الثالث التي أيحيانا يكون الحكم رهين مزاج بعد القضاة أو يتم التأثير في الحكم سياسيا.
ففي ظل غياب موارد مادية وبشرية وأحيانا غياب تام لإرادة الوصول للحقيقة، هنا يتحول الإعدام إلى كابوس يلاحق الجميع، وعادة هؤلاء الذين يطالبون بتطبيق عقوبة الإعدام من منطلق ديني، تجدهم أول ضحايا هذا الحكم، والأمثلة في ما يسمى بالربيع العربي ببعض دول الجوار كثيرة جدا.
لكن هنالك من سيقول بأن الإرهابيين الذين نمتلك قرائن تثبت أفعالهم، يجب أن ينالوا أقصى العقوبات، لنأخد قضية إرهابيي شمهورش بالمغرب، هل فعلا الإعدام هو أقصى عقوبة في هذه الحالة، صراحة لا أعتقد، لأن الإرهابي يعتبر الموت انتصارا له، فوفق البنية السيكولوجية أو الغيبية فهو يريد أن يلقى جزاء فعله في أقرب وقت وجزائه ليس في هذه الأرض حسب فهمه، بل هو في عالم آخر، يعني فوق سبع سماوات وبالتالي الموت إعداما يقربه من الخلاص وفق تصوره الديني عن العقاب والجزاء، بل ويصنع منه أيضا بطلا وأسطورة، لذلك أقصى عقوبة يمكن أن يحصل عليها الإرهابي في هذه الحالة يجب أن تكون السجن المؤبد.
نعلم أنه في القرن الثامن العشر بالدنمارك كان هنالك ظاهرة غريبة جدا، حيث كان هؤلاء الذين يرغبون في الإنتحار لا يقدمون على فعل الإنتحار مباشرة، بل يقومون أولا بقتل طفل صغير أو أي شخص آخر، ثم ينتظرون تطبيق حكم الإعدام في حقهم، لماذا ؟ لأنه كان هنالك اعتقاد سائد عن البروتستان بأن قتل النفس أي الإنتحار، يحكم على صاحبه بالجحيم الأبدي، لكن التوبة قبل الإعدام تمنحك تأشيرة مباشرة للجنة، وهذا تماما ما يريده الإرهابيون، تأشيرة مباشرة للجنة والحور العين، ونحن يجب بالأحرى أن نمنحهم تأشيرة مباشرة للسجن المؤبد.
هنالك أيضا من يقول أن المطالبة بالإعدام هي مطالبة بالإنتقام وليس بالعدالة، أي أنها رغبة بدائية في رؤية الدم وإلحاق الضرر والألم بمن سببوا لنا الألم، أي أنها نوع من المأسسة والتبرير الأخلاقي لسادية الإنتقام، لكنني أستطيع جيدا تفهم ذلك، فلنفترض أن شخص ما أراد أو قام بقتل شخص من أفراد أسرته وربما أيضا اغتصابه، وإنني حينها وبدون تفكير سأرغب في إيلامه وربما أيضا موته، لكن العدلاة والدولة الحديثة لا تتحدث لغة الإنتقام، بل تحاول وفق أسس إيتيقية وأخلاقية توفير الحماية للضحايا وإعادة الحقوق لأهلها، ولذلك فالسؤال، أي حق سيعود للضحايا الذين سرقت منهم حياتهم وأي حق سيعود لأهلهم بالإنتقام عن طريقة المجرم.
ثم من مطلق ليبرالي محض، الدولة لا تملك حق الحياة والموت علينا، والمؤسسات والمجتمع الحديث يجب أن يكونوا أرقى وأكثر عقلانية من دوافع الأفراد الغريزية.
في الأخير، من المعروف أن الإعدام والعقوبات الجررية بشكل عام لا تساهم بالضرورة في الحد من نسبة الجريمة، يمكن للجميع الآن الاطلاع على إحصائات ودراسات المنظمات الدولة في هذا الخصوص، لأن العقوبات مثلا السجنية، قد تحد من حرية المجرمين في ارتكاب الجريمة حينما يكونون وراء قضبان الزنازن، لكنها لا تساهم في ردع المجرمين الجدد عن الوقوع في الجريمة، كما أنها لا تأهل المجتمع لتجنب خلق مجرمين جدد، فالجريمة ستبقى مادامت ظروفها وبيئتها مستمرة، وحتى لنفترض لو وضعنا للمجرم شرطيا على اليسار وآخر على اليمين، في الوقت الذي تستمر فيه أسباب الجريمة فإنه سيجد ألف طريق ليكون مجرما. يجذر الذكر أنه حينما بانجلترا يتجمهرون بالساحات ليشاهدو عمليات الإعدام وخصوصا إعدام اللصوص، كان بينهم لصوص آخرون يسرقون جيوبهم من أجل شراء لفافة رغيف، فالإرهاب سيستمر مادامت أفكاره تجد من يروج لها في المدارس والجامعات ودور العبادة وأيضا دور القرآن، ومادام أيضا هؤلاء الذين يواجهون هذه الأفكار يتم بشكل شبه ممنهج إقصائهم إعلاميا وسياسيا وتكفيرهم دينيا.