في كثير من النقاشات سواء على الشاشات التلفزيونية أو البرامج أو محاضرات في شتى المجالات، هناك العديد من الناس يرتكبون المغالطات المنطقية سواء بهدف التدليس وإتباث الحجة أو دون وعي منهم بارتكابهم لهذه المغالطات.
❞ كم يكون رائعا لو أمكننا أن نُقيّض لكل خدعة جدلية اسما مختصرا وبَيِّن الملاءمة، بحيث يتسنّى لنا كلما ارتكب أحدٌ هذه الخدعة المعينة أو تلك أن نوبّخه عليها للتو واللحظة ❝
آرثر شوبنهاور
هناك أكثر من 300 مغالطة منطقية، وإذا ما قمت بكتابتها في مقال واحد فسنحتاج حينئذ إلى نشرها في كتاب، وليس من الضروري على الشخص العادي أن يكون على ذراية لكل هذه المغالطات مع أنني أنصح بفعل ذلك، لكنني اخترت في هذا المقال المغالطات المنطقية المشهورة والتي قد تساعدك في عدم ارتكابها أو في اصطيادها وتوبيخ مرتكبها كما قال شوبنهاور.
مغالطة الشخصنة ومغالطة تسميم البئر
قمت بجمع هذين المغالطتين في عنوان واحد لمذى التشابه بينهما، فالمغالطة الأولى ” الشخصنة ” هي من أفدح المغالطات التي قد يتركبها البشر، وهي الهجوم على الشخص والقيام بشخصنته سواء من أجل إتباث بطلان حجته المطروحة أو لتشويه صورته.
يعتبر ” الهجوم على الشخص ” مغالطة، لأن شخصية الشخص أو ظروفه أو أفعاله، لا علاقة لها بصحة أو خطأ المعلومات أو الحجة المطروحة، فحقيقة أن 5+5=10 لا تختلف إطلاقا مهما كان الشخص الذي قالها، لأنها لاتعتمد عليه.
مثال: ❞ نظرية التطور هي نظرية خاطئة لأن تشارلز داروين كان يكره الدين بسبب وفاة ابنته ❝
❞ فلان صغير في السن، وهو مجرد طفل، كيف له أن يعلم عن الثقوب السوداء والكواكب ❝
أما مغالطة تسميم البئر فهي نفسها تقريبا مغالطة الشخصنة، لكنها ترتكب قبل أن يطرح الشخص الآخر أي موضوع، فيتم تقديم معلومات سلبية غير ضرورية في النقاش إلى الجمهورأو المشاركين في الحوار (سواء كانت هذه المعلومات صحيحة أو خاطئة)، بقصد تشويه سمعة الشخص والسخرية منه قبل أن ينطق حتى بكلمة.
مثال: ❞ لا تستمع لما يقوله هذا الشخص، إنه غير أخلاقي ويقوم بتعنيف أولاده ❝
❞ هذا شخص ملحد ويحب الشهوات، لا تستمعوا له، كلامه فارغ ❝
مغالطة رجل القش
تعتبر من المغالطات المنطقية المشهورة التي قد ستسمعها في أي نقاش تقريبا، يقوم الشخص مرتكب هذه المغالطة ببناء رجل من القش وإعطائه مواصفات واستنتاجات لم تقم أنت بطرحها، وتشويه الفكرة المطروحة، فيقوم بعد هذا البناء البهلواني بمهاجتمك لإتباث خطأ كلامك. لكنه في الحقيقة لم يهاجم سوى رجل القش الذي قام ببنائه.
وتكون المغالطة على النحو التالي :
الشخص A قام بطرح الفكرة X
الشخص B (مرتكب المغالطة) يقوم بمعارضة الفكرة X بعدة طرق منها:
- تحريف وتشويه الفكرة X ثم ضحدها انطلاقا من الفكرة المشوهة.
- عرض شخصية لرجل ضعيف يدافع عن نفس الفكرة X ثم تفنيد حجج ذلك الشخص، مما يوحي بأن كل مؤيد لهذا الموقف ضعيف ومهزوم.
- اختراع شخصية وهمية لها معتقدات وأعمال يسهل انتقادها، وإظهار الشخص A وكأنه يدافع عن تلك المعتقدات.
- المبالغة في تبسيط الفكرة X تبسيطًا مخلًا ومن ثم مهاجمتها.
مثال: ❞ لا يمكننا أن نصدق بكل ما جاء به العلم، فهو يدعي أن الكون جاء بالصدفة وهذا أمر لا يتقبله العقل ❝
يقوم مرتكب المغالطة في هذا المثال بتشويه المحتوى العلمي بأنه يقول أن الكون جاء بالصدفة، طبعا هذا الإدعاء خاطئ لأن العلم لا يقدم أي ادعاء حول بداية الكون أو بداية الحياة ويعتبر هذه المسائل من الأمور التي مازالت مجهولة علمياً.
– اقرأ المزيد عن مغالطة رجل القش
مغالطات الاحتكام
مغالطات الاحتكام أو الإستدلال أو التوسل هي مغالطات مشهورة قد يرتكبها أي شخص دون أن يدرك ذلك، وسأقوم بشرحها بشكل مبسط نظرا لبساطة فهمها.
مغالطة الاحتكام إلى الجهل
وهي افتراض أن الفكرة X صحيحة ما دام أنه لم يثبت بالدليل أنها خاطئة، والعكس صحيح أيضاً، أي أن الفكرة X خاطئة مادام أنه لم يثبت بالدليل أنها صحيحة. وفي كلا الحالتين فإن “عدم وجود الدليل” بحد ذاته قام مقام “الدليل”، فيكون “عدم وجود الدليل” كدليل على بطلان أو صحة تلك الفكرة.
مثال: ❞ ليس لديك دليل على عدم وجود الأشباح، اذن هذا دليل على وجودها ❝
مغالطة الاحتكام إلى السلطة
وهي أن تستدل بأقوال علماء أو فقهاء أو مختصين في مجال ما، لتتبث به فكرتك أو ادعائك المطروح، أو حتى إتباث بطلان فكرة الشخص الآخر انطلاقا من هذا الإستدلال.
مثال : ❞ الشخص X دكتور في مجال الطب، لقد قال أن شرب الدماء صحي، وبالتأكيد كلامه صحيح لأن لديه شهادة الدكتوراة في الطب ❝
في هذه الحالة، على مرتكب المغالطة أن يبحث عن دلائل لإتباث هذه الفكرة، لا عن دكتور مختص قام بذكر ذلك.
مغالطة الاحتكام إلى الأكثرية
وهي أن تستدل بالأكثرية أو العامة من الناس لإتباث صحة فكرتك.
مثال: الديانة المسيحية هي الديانة السائدة في العالم، وهذا يعني أنها الديانة الحق.
مغالطة الاحتكام إلى العادات والتقاليد
للأسف هذه المغالطة مازالت متداولة عندنا في العالم العربي، وهي أن تستدل بالتقاليد والعادات لإتباث صحة إدعاء ما، وهذا بالفعل شيء خاطئ.
مثال: ❞ هذا شيء متعارف عليه أو تقليدي، فلا بد أن يكون صحيح ❝
❞ أقتل دجاجة سوداء، وارميها في البحر، وستشفى من مرضك، صدقني هذا ماكان يفعله أجدادنا، فلا بد أنه صحيح ❝
مغالطة السببية
تسمى بالإنجليزية ” correlation does not imply causation ” وتعني أن الإرتباط بين حدثين معينين لا يعني بالضرورة أن أحد الحدثين هو مسبب للآخر.
مثال : ❞ عندما أرتدي لباسا أسود، يكون يومي جميلا ❝
بالتأكيد لا وجود لعلاقة بين الحدثين ولا يمكن أن نعتبر أن أحدهما سبب للآخر، وفي هذا الصدد، قام أحد طلاب جامعة هارفرد بإنشاء موقع يجمع فيه أبحاث و دراسات مرتبطة بشكل مضحك ونذكر إحداها:
❞ وُجد ارتباط كبير بين أعداد طائر اللقلق في أماكن معينة في أروبا وبين معدل المواليد من الأطفال، اذن وجود طائر اللقلق سبب لولادة الأطفال ❝
مغالطة الانحياز التأكيدي
هي مغالطة مشهورة، يقوم فيها الشخص بالميل للبحث عن، وتفسير، وتذكُّر المعلومات بطريقة تتوافق مع معتقداته وافتراضاته، بينما لا يولي انتباهًا مماثلًا للمعلومات المناقضة لها.
فهو ينحاز في بحثه عن الأشياء التي تتوافق مع معتقادته فقط، ويعتبرها صحيحة مادام أنها لا تتعارض مع افتراضاته، والعكس صحيح، إذ يعتبرها خاطئة إذا ما كانت تخالف افتراضاته.
مثال: يقوم البعض باتباث صحة قانون الجذب بحصوله على شيء قام بالتفكير فيه والإيمان به، بينما لا يولي اهتماما بكل الأشياء التي فكر فيها ولم يحصل عليها، فهو هنا ينحاز في بحثه فقط لإتباث صحة قانون الجذب، دون أن يطلع على الأشياء التي تتبث عكس ذلك.
مغالطة التماس السؤال
هي مغالطة مضحكة قليلا، لأن مرتكبها لا يأتي بشيء جديد، فهو يتبث الحجة من الحجة نفسها.
مثال: ❞ السرقة فعل سيء، لأنها لو لم تكن كذلك لما قام القانون بمنعها والمعاقبة عليها ❝
في هذه الحالة، الشخص الطارح لهذه الفكرة لم يأتي بأي جديد، فهي ليست أكثر من عبارتين متشابهتين. فما يمنعه القانون (المقدمة) هو تلقائيا فعل سيء (النتيجة)، وكأن الشخص يقول بعبارة أخرى؛ ” السرقة فعل سيء، لأنها فعل سيء “.
وهناك أيضا العديد والعديد من المغالطات المنطقية الأخرى، لكنني حاولت أن أذكر أشهرها فقط للاستفادة أكثر، فالمجال مفتوح أمامك للبحث عنها ودراستها، لتجنب ارتكابها أو الكشف عنها، كما أنصح أيضا بقراءة كتاب المغالطات المنطقية لعادل مصطفى الذي شرح فيه العديد من المغالطات المنطقية بأمثلة رائعة و مفسرة أكثر.