in

روسيا وأوكرانيا ـ من يحارب من؟ و من يخادع من؟

روسيا وأوكرانيا أسامة الطرالبسى

سؤالان إن أجبنا عليهما لكان من السهل أن نفهم ماذا يجري من حولنا من صراع عالمي مع تطورات الأحداث الروسية الأوكرانية:

في البدء إن أردت أن أبدي تعاطفا أو “تحيزا”  لطرف ما في تلك الحرب فبالتاكيد لن يكون ذلك التحيز لناحية بايدن أو الإتحاد الأوروبي وهم من سعوا في الأساس بكامل طاقتهم للدفع بالأمور إلى حافة الهاوية.

ولا القيصر الروسي الجديد الذي يعيد بناء إمبراطوريته على أنقاض المدن وأبدان البشر وتشريد الأطفال والأبرياء، أما بايدن فهو العرّاب والمدبّر الأول لتلك العملية العسكرية، بل لا أضخّم إن قلت بأنه وإدارته كانوا الطابور الخامس للعملية بأكملها. ولكن بالقطع سيكون تحيزي الكامل للشعب الأوكراني والروسي المتقاتلان في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

فالصراع الحالي هو بداية لما يمكن تسميته بالحرب الباردة الثانية، فكما كان هناك حربان عالميتان وكانت بؤر إنفجارهم في تلك البقعة تقريبا من العالم. فالحرب الأولى بدأت من صربيا، بإغتيال نائب إمبراطور النمسا والثانية كانت بغزو هتلر لبولندا، وما أن إنتهت الثانية حتى بدأت الحرب الباردة الأولى والتي كانت سببا في دخول أمريكا حربها في فيتنام ودفعت بروسيا في حرب في أفغانستان وتدبير ثورات برتقالية وأخرى إنفصالية، ودفعت إسرائيل لحرب بالوكالة ضد مصر في عام 1967، أما اليوم فإننا أمام حرب باردة ثانية لا ترتقي بعد إلى حرب عالمية ثالثة إلا بدخول أطراف محورية جديدة تشاهد الموقف بترقب كإيران والصين. لكنه بلا شك إعادة لبناء نظام عالمي جديد.

والأن ما الذى جرى، وما يجرى الآن؟

 ما جرى هو أن أمريكا فعلت تماما الخطأ الذي على وشك أن يحطم أسنانها، فقررت الإدارة الديمقراطية برئاسة بايدن في لحظة تاريخية هي الأصعب على شعبه والأضعف لدولته بأن يشاكس الأسد القطبي في عرينه بل وحصاره وهو يعلم جيدا أنه غير قادر على السيطرة إن فلتت الأمور وتغيرت قواعد اللعبة.

وبعد أن قدّمت الوعود للنظام الأوكراني الموالي لها والتي ساعدته ودعمته، قررت أن تعلّم الشعب الأوكراني معنى أن السياسة هي لعبة قذرة وقرر بايدن أن يزيد من الوعود التي لم ولن يستطيع حتى أن يوفي بها. والآن يفضح الرئيس الأوكراني تلك المؤامرة في تصريحاته من اليوم الأول من الاجتياح الروسي لبلاده فيقول أنه تحدث مع 21 رئيس دولة من أعضاء الناتو لتقديم المساعدة أو لقبول عضوية أوكرانيا للحلف كما وعدوا ولكن ما من مجيب والجميع خائف، كما لو أنه يذكرنا بقول فولتيير “اللهم احمني من أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم.” بل أن الرئيس بايدن قام بالرد عليه بشكل غير مباشر في حديثه مع الشعب الأمريكي لتقديم وعود كاذبة كعادته مؤكدا أن الجنود الأمريكان لن يتدخلوا في المعارك في الوقت ذاته التي تظهر التقارير الإخبارية عن إنزال قوات من حلف الناتو إلى ألمانيا لتعزيز الوجود العسكري وقد ظهروا عبر الشاشات في حالة إرتباك بأعين تتساؤل عن سبب وجودهم في تلك البقعة من العالم ومن أجل ماذا؟ فهل بايدن يخدع الشعب الأمريكي أم سيخدع حلفاءه بالناتو.

خدعت الولايات المتحدة أوكرانيا وساقتها إلى حافة الهاوية ثم تركتها تسقط في يد الروس بمنتهى البساطة، خانت حليف مما سيجعل باقي حلفاءها يتساؤلون بل ويعيدوا حساباتهم، بعد أن تم إختراق سياسة Balance of Power التي أقرّتها أوروبا منذ الحروب النابولونية والصراع المصري العثماني في عهد محمد علي والتي بسبب إختراقها من قبل حدث كل تلك الحروب السابقة التي أشرنا إليها.

وحين نقارن الفرق بين بايدن الديمقراطي الضعيف المتورط في تسريبات كثيرة في يد الروس له وللإدارة الحالية أو السابقة في عهد أوباما، وبين الفارق من جهة أخرى بين ديمقراطي آخر وهو جون كينيدي سنجد أن الفارق ليس في التوقيت أو الظروف، فأيام كينيدي كان السوفيت أقوى وكان الأمريكان ينزفون دما في فيتنام، ولكن هو الفارق في الأجندة، فكان هناك أجندة للإدارة الديمقراطية قبل عام 1970 وأخرى بعد ذلك التاريخ.

فأجندة كينيدي فى صراع الصواريخ الكوبية والمعروفة بأزمة خليج الخناريز. فكانت الأجندة انذاك تهتم بالأمن القومي الأمريكي في الإطار الأول وأنهى ذلك الصراع بكبرياء الأقوياء وبشكل حاسم وأرغم السوفيت على التراجع وذلك ما يسمى بسياسة القوة. أما أجندة بايدن فقد ظهرت في خطابه الضعيف المرتعش الذي اكتفى فيه بفرض عقوبات هو يعلم أنها ستطول حلفاءه في أوروبا وتطوله قبل أن تطول الروس. وهي نتيجة لتاريخ تلك الإدارة بعد أن سعت في الأرض فسادا في تحالفات مع منظمات إرهابية وإنشاءها ودعمها أو إسقاط أنظمة والإستثمار في حروب أهلية كما حدث في العراق، فأصبح النظام الأمريكي محاصر بتلك التحالفات. بل وفعل الأمبراطورية الأمريكية تماما كما فعل أنتوني إيدن رئيس وزراء بريطانيا عندما حطم أسنان الأسد البريطاني حين قرر أن يقود شعب منقسم على نفسه لدخول حرب ضد شعب ضعيف فى بورسعيد عام 1956، وإنتهت المعركة بهزيمة سياسية أسقطت الإمبراطورية البريطانية .

هذا تحديدا هو دور بايدن وأوباما وهيلاري من قبلهم في الإعلان عن النظام العالمي الجديد، باتت ثورة الربيع الأمريكي ممكنة وسقوط الأمبراطورية ممكن بحركة شطرنج واحدة وهي أن تضم الصين تايوان فى تلك اللحظات الحرجة وتخسر الولايات المتحدة شريان تجارتها الأساسي في بحر الصين الجنوبي. ويشهد العالم كساد إقتصادي أشبه بعام 1929 ويبدأ الصراع المنتظر بين الأعراق والأديان بعد أن تغذى الكره على قلوبهم بفضل الدعاية الأعلامية الذي تقوم بتغذيته بقوة داخل الشارع الأمريكي يوما بعد يوم.

Avatar for أسامة الطرابلسى

كُتب بواسطة أسامة الطرابلسى

التعليقات

اترك تعليقاً

Avatar for أسامة الطرابلسى

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Loading…

0