بتعريفنا للثقب الأسود في المقال السابق، أشرنا إلى أنه يملك جاذبية هائلة محيطة به، وتصل مدى ضخامة هذه الجاذبية لدرجة أن الضوء الذي يملك أكبر سرعة في الكون (300 ألف كيلومتر في الثانية) لا يستطيع الافلات من هذه الجاذبية، وهذا ما يجعل العديد منا يتساءل الكثير من الأسئلة من ذوي: ماذا سيحدث عندما تدخل الثقب الأسود ؟ أو ماذا سيحصل لو أصبحت الشمس ثقبا أسود ؟
ماذا سيحدث عندما تدخل الثقب الأسود ؟
أولا علينا أن نُعرّف منطقة أفق الحدث، وتكون هذه المنطقة محيطة بالثقب الأسود حيث إذا دخلتها، لا يمكنك الرجوع أو الافلات من جاذبية الثقب الأسود، حتى لو كنت تمشي بسرعة الضوء فلن تستطيع الخروج.
الآن لنتخيل أن شخص ما أو مركبة فضائية معينة دخلت منطقة أفق الحدث هذه، لتدخل إلى داخل الثقب الأسود، ما سيحدث لهذا الشخص أو هذه المركبة هو أن المنطقة الأمامية ستنجذب أكثر من المنطقة الخلفية للجسم أو للمركبة، وتسمى هذه الحالة بالانجليزية (spaghettification) أي أن الجسم سيصير كالسباغيتي وسيغرق بشكل مُمدّد إلى داخل هذا الثقب، وستختفي داخل الثقب حسب نظرية النسبية.
شيء آخر مهم سيحدث للشخص الذي سيدخل الثقب الأسود هو أن الزمن عنده سيتباطىء، وهذا ما كان أتبثه العالم الفيزيائي ألبرت أينشتاين في نظريته للنسبية، حيث قال أن الزمن يتباطىء كل ما زادت الجاذبية.
وبالنسبة للملاحظ الذي سيشاهدك وأنت تدخل الثقب الأسود، فسيلاحظ أن سرعتك تتباطىء وأنت تدخل إلى هذا الثقب، إلى أن تتوقف عن الحركة تماما، مما يعني أن الملاحظ البعيد سيرى وكأن الزمن توقف عندك، وفي الحقيقة أنت دخلت لداخل مركز هذا الثقب الأسود والمسمى ب(Singularity)، حسب النظرية النسبية.
أما حسب نظرية ميكانيك الكم، فتقول عكس ذلك تماما، وهذا ما قد أدى إلى مشاكل بين العلماء في فهم النظريتين ومحاولة كشف لماذا يتعارضان في هذا الموضوع رغم أنهما نظريتين صحيحتين، حيث أن النظرية النسبية تفسر الأحجام الكبيرة من كواكب ونجوم ومجرات، وميكانيك الكم تفسر الأجسام الدقيقة من ذرات وجزيئات.
وتقول ميكانيك الكم، أن ذرات جسم الشخص أو المركبة الفضائية، التي تدخل أفق الحدث، لن تختفي داخل الثقب، وستبقى ذرات هذا الجسم خارج الثقب، بحيث يمكن رؤيتها.
اعتبر هذا الصراع من أكبر الصراعات في تاريخ الفيزياء، ثار فضول العلماء أكثر في أي من النظريتين صحيحة في هذه المسألة، وصرح في الأخير العالم (Leonard Susskind) في عام 1990 أن النظريتين صحيحتين على حد سواء.
فتخيل معي أن النسبية تقول أنك لو دخلت الثقب الأسود ستختفي، بينما ميكانيك الكم تقول أنك لو دخلت الثقب الأسود ستموت في أفق الحدث وستتحول إلى أشلاء من ذرات. ثم تخيل معي الآن أن النظريتين صحيحتين رغم تناقضهما هههه لم تفهم شيء ؟ أنا أيضا لم أفهم، لكن المهم هو أنك ستموت في كلتا الحالتيين بسبب حالة السباغيتي التي ستمر عليها.
ماذا لو تحولت الشمس إلى ثقب أسود ؟
أولا، الشمس بكتلتها المعروفة حاليا، لن تستطيع في المستقبل وبعد أن تموت (أي عندما ستنفجر على نفسها، السوبرنوفا) أن تتحول إلى ثقب أسود لكنها ستتحول إلى قزم أبيض، لأن كتلتها الصغيرة لا تسمح بذلك.
لكن فلنفترض من باب الخيال العلمي، أننا وضعنا ثقبا أسود مكان الشمس؛ أولا لن تتأثر مدارات الكواكب التي ستدور على هذا الوكوب، وستظل في نفس مساراتها كما كانت تفعل مع الشمس، ويعود سبب ذلك طبعا إلى أن الكتلة لن تتغير كما شرحنا بالتفصيل في مقال عن الثقوب السوداء، وبالتالي فإذا لم تتغير الكتلة، ستظل الجاذبية نفسها، بتغيير فقط حول الثقب الأسود حيث ستصير هائلة بحيث لن يفلت منها الضوء.
ثانيا، الشيء الذي سيظر بنا كبشر، هو أن الثقب الأسود لن يعطينا الحرارة والطاقة المهمتين في إنشاء واستمرار الحياة على كوكب الأرض، حيث أن حرارة الكوكب ستنخفض بشكل كبير وسنموت من البرد، ولن يستطيع أحد العيش في كوكب مجمد بدون نجم يمدنا بالحرارة اللازمة.