صرنا نرى في العديد من القنوات التلفزونية والمقالات ومقاطع فيديو، أن العلمانيون هم أشخاص يريدون إطفاء نور الله بأفواههم، وأنهم كفار وملاحدة، ولا يستحق أن نستمع إليهم وغيرها من الادّعاءَات الباطلة التي لا تدُلُّ سوى على جهل قائلها بمفهوم العلمانية أو ما معنى علماني.
علماني لا تعني ملحد
الملحد هو الشخص الذي لا يؤمن بألهة الأديان ولا بوجود خالق للكون، أي أن الملحد يرفض الادّعاءَات الدينية حول الأسئلة الوجودية أو غيرها. مثلا الملحد لا يؤمن بوجود الجن لأنه يرى أن الجن هو مجرد فرضية غير مبنية على منهج علمي تجريبي.
حسنا، لكن ما علاقة هذا بسؤال ما معنى علماني ؟
صحيح أن أغلبية الملحدين علمانيين، ومن السخافة أن نقول غير ذلك، لكن هذا لا يعني أن أي شخص علماني فهو شخص ملحد، وكأننا نقول أن ” كل شخص غني يملك سيارة، اذن كل من يملك سيارة فهو شخص غني ” مغالطة سخيفة جدا صراحةً.
اذن فالعلماني ليس بالضرورة أن يكون ملحدا أو لاديني، بل يمكن لأي شخص أن يكون علماني حتى المسلم منهم، وكيفما كانت معتقداته الدينية.
المسلم العلماني
المسلم العلماني هو المسلم الذي يدافع عن حقوق الإنسان سواء كان هذا الإنسان من الأقليات (مثال: اليهود في الدول العربية) أو أنه يدافع عن حقوق الإنسان بصفة عامة. أي أنه يساوي ما بين الرجل والمرأة وما بين السود والبيض وما بين الأعراق (أمازيغي = عربي = مغاربي … الخ) وغيرها من الاختلافات.
يعني بعبارة أخرى هو إنسان حقوقي ومسالم، يدرك في قرارات نفسه أن هذا هو ما يجب أن تكون عليه سياسة أي دولة. وقد أشرنا إلى ذلك في مقال عن العلمانية، إذ أوضحنا أنها ستحمي دين الشخص أكثر وأفضل من أي سياسة أخرى.
بخلاصة، العلماني هو شخص حقوقي يدافع عن الحريات الفردية وعن الحقوق الانسانية، ولا يهم إطلاقا ما هي الديانة التي يعتنقها أو اللغة التي يتكلم بها.
ماذا عن تطبيق الشريعة الاسلامية
حسنا، ربما هذه هي العبارة التي سينتقد بها البعض هذا المقال أو موضوع العلمانية بشكل عام. العديد من المسلمين يعتقدون أن تطبيق الاسلام هو الحل لكل المشاكل التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية، وربما أصل هذه الكلمات (الاسلام هو الحل) قد جاءت من أفواه الشيوخ ورجال الدين، الذين هم غالبا مسيطرون من قبل الحكام العرب.
وليس من الغرابة أن نجد قمة التناقض الاجتماعي الذي تعيشها هذه الدول، فلا هي تَطوّرت كما فعلت الدول الغربية، ولا هي طبقت الشريعة الاسلامية كما يتمنى البعض.
ومن بين هذه التناقضات التي نجدها أحيانا واضحة، هي أن المسلم يعتمد في كل حياته على الدول الغربية (التي يعتبرها دول كافرة) ابتداء من الحاجات الغذائية التي تسعى كل الدول إلى استيرادها وتصدير غيرها حسب الحاجة، ونهاية إلى كل الحاجيات الأخرى من وسائل النقل والأنترنت والكهرباء والأدوية … الخ
والشيء المضحك الذي أجد العديد يتحدثون عنه، هو أن بعض المسلمين يتمنون استرجاع الأندلس، وكأن استرجاعها سيزيد من تقدمنا وتطوير أساليب عيشنا. والمضحك في هذا الأمر هو أن السلاح الذي سيسترجعون به الأندلس هو أصلا سلاحهم ـ الدول الغربية ـ الذي استردناه من عندهم.
نعيش في زمن العولمة والدولة الحديثة، وما زال بعض الناس يعتقدون أن بعودتنا إلى تقاليد أجدادنا والقوانين التي كانوا يعملون بها، من شأنها أن تحل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية في دولنا.
وإذا ما لاحظنا هذا التناقض من زاوية الدولة الاسلامية السياسية، فسنجد أن هذه الدول تملك بعض مواصفات الدولة العلمانية أو الدولة الحديثة، فنجد مثلا أن الحانات وبيع الخمور هو جزء من اقتصاد هذه الدول، رغم أنها تعيش تناقض واضح عندما تقوم بمنع فتح هذه الحانات في شهر رمضان، باعتبار أن هذا الشهر مقدس عند المسلمين وعلى الجميع أن يحترم ذلك.
وطبعا هناك أمثلة أخرى لا حصر لها كوجود بيوت الدعارة وشركات اليناصيب والأبناك التي لا تعتمد في سياساتها على ما يسمى بشريعة إسلامية.
مسألة الإرث
أن تكون علماني يعني أنك تساوي بين كل الناس، مما يعني أنك تساوي في الإرث أيضا. وقد ينتقد البعض هذه الفكرة بأنها تعارض ما جاء به الدين، لكن تعود مسألة المساواة في الإرث إلى الشخص الذي سيقسم هذا الإرث، أو إلى العائلة، فإذا كان هذا الشخص يريد تقسيم إرثه على أساس القوانين الإسلامية، فهذه حريته الشخصية، وأعتقد أن الدولة العلمانية ستضمن له هذا الحق. غير ذلك، فتقسيم الإرث في الدولة العلمانية يكون بالتساوي، أي أن المرأة تساوي الرجل في الإرث.
يقول بعض المؤيدين من المسلمين العلمانيين أن القوانين الإسلامية في مسألة تقسيم الإرث كانت فقط تواكب العصر الذي جاء فيه الإسلام، إذ أن المرأة لم تكن عليها نفس الواجبات التي كانت عند الرجل. أما الآن فالمرأة لها نفس الواجبات التي على الرجل، فهي تعمل وتدرس وتنشأ أسرة، كما يفعل أي رجل وبالتالي من حقها أن تتمع بنفس الحق في الإرث الذي عند الرجل.
خلاصة القول وكي لا نخرج عن سياق موضوع ما معنى علماني، فأن تكون علماني لا يعني أنك ملحد ولا يعني أنك غير مسلم، فنحن في زمن العولمة والحداثة، وقيمة الإنسان اليوم لها قيمة أكبر من أي زمن مر على هذا الكوكب.
يسعى العلمانيون سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين إلى الحرية والسلام والمساواة بين كل البشر. وهم بالتالي لا يكنون غضبا أو كرها تجاه أي ديانة أو تقاليد معينة، لكنهم ضد استعمال أي من الأديان في السياسة والحكم، باعتبار أن الدين هو مسألة شخصية، وأن على السياسة تبني أحكام وقوانين وضعية تمنح الجميع حقوقه ولا تفرق بين المواطنين رغم كل الاختلافات التي بينهم.