in

المثلية الجنسية: عوامل، أسباب وهل يمكن اختيار التوجه الجنسي ؟

علم المثلية الجنسية

يختلف مفهوم المثلية الجنسية عن المفهوم القديم “الشذوذ الجنسي”، فالشذوذ هو الخروج عن المألوف، أما المثلية الجنسية فهي بكل بساطة توجه جنسي، يتسم بالانجذاب الشعوري، الرومنسي، والجنسي بين أشخاص من نفس الجنس.

كانت المثلية الجنسية محط تساؤل كبير بين العلماء، فالمثليين لا يمكنهم التكاثر وبالتالي لا يمكنهم توريث جيناتهم للأجيال القادمة. مما يعني أنهم في حالة انقراض.

طرح العديد من العلماء أسئلة من قبيل هل المثلية الجنسية اختيار وآخرون يعتقدون أنها اضطراب أو مرض نفسي أو جسدي.

لكنها في الحقيقة ليست بمرض نفسي أو جسدي أو عقلي، حسب تصريح لعدة منظمات طبية وصحية، ومن بينها منظمة الصحة العالمية التي أقرت بذلك سنة 1992 وألغت هذا الاسم من التصنيف الدولي للأمراض (ICD) أما في مسألة الاختيار فقد أوضحت عدة دراسات على أن المثلية الجنسية ليست باختيار ولا يمكن للشخص أن يختار أو أن يغير توجهه الجنسي، والسبب في ذلك يعود لعدة عوامل وأسباب:



المثلية الجنسية في الجينات

قد يبدو من الغريب حقا أن للجينات دور رئيسي في تحديد الميول الجنسي للشخص، لكنها كذلك طبقا للعديد من الدراسات التي تم إجراؤها على التواؤم وعلى الأشخاص الذين تم تبنيهم.

في عام 1993، أظهرت دراسة نشرت في الجريدة العلمية، أن الأسر التي لديها أخوين مثليين من المرجح جداً أن يكون لها علامات وراثية معينة في منطقة من الكروموسوم X (أحد الكروموسومات الجنسية) المعروف باسم Xq28.

وفي عام 2014، أظهرت دراسة أخرى مشابهة نشرت في مجلة الطب النفسي أن الجين على الكروموسوم X وجين آخر على الكروموسم 8 وجدت انتشارا كبيرا عند الذكور المثليين.

جعلت هذه الدراسات محط نقاش بين العلماء حول احتمالية وجود ” جين المثلية ” وانتشرت أيضا في الصحف عناوين حول وجود ” جين إدمان الكحول ” الذي يجعل بعض الأشخاص مدمنين على الكحول، وجين آخر يطلق عليه ” جين المحارب ” الذي يجعل الأشخاص عدوانيين بشكل غير طبيعي.

لكن على الرغم من ذلك، لا يمكن للجينات أن تتحكم بسلوكنا بشكل كامل، فمهمة الجينات كما هو معروف هي أن تقوم بتنظيم إنتاج الأحماض الأمينية والتي تشكل باجتماعها البروتينات. وبالتالي يمكن أن يؤثر وجود أو غياب أحد البروتينات على المزاج أو مدى تحمل الكحول وغيرها من الأشياء.

وليس هذا فقط، فللبيئة كما الجينات دور مهم أيضا في توجيه سلوكنا.

يتواجد إدمان الكحول في العائلات ليس فقط بسبب توفرهم على “جين إدمان الكحول”، ولكن أيضًا لأن الأطفال يتعلمون كيفية التعامل مع الظغوطات من خلال مشاهدة كيف يتصرف آباؤهم وأشقائهم الأكبر سناً في المواقف العصيبة.

أما إذا كنت قد تربيت في بيئة حيث الكحول أمر محرم سيكون من الصعب عليك أن تصبح كحوليًا بغض النظر كيف يقوم جسدك باستقلابه.

ونفس الشيء بالنسبة ل” جين المحارب ” الذي يجعل الشخص عدواني.

هناك عوامل أخرى طبعا إلى جانب “الجين المحارب” التي تسهم في العدوان. فالأطفال يتعلمون التصرف بعدوانية عندما يشهدون تعرضهم للعدوان.

إذا نشأت في عائلة أو ثقافة لم يكن فيها العدوان مقبولاً بشكل جيد، فمن المحتمل أن تكون أقل عدوانية. لأنك ستتعلم من سن مبكرة، كيفية التحكم في ميولك العدوانية.

وبالتالي ستؤثر البيئة في ميولك الجنسية وعلاقاتك العاطفية.

ففي بعض المجتمعات تعتبر المثلية أمرًا مقبولًا، وفي مجتمعات أخرى تعتبر أمرًا غير محبذ لكنه غير محظور وفي بلدان أخرى تعتبر جريمة حقيقية ومن الممكن أحيانا أن يعاقب الشخص المثلي بالموت.

يمكن لتربيتك التأثير على ما تجده مرغوبًا وما تجده مثيرًا للاشمئزاز. من المحتمل أن يكون معظم الأمريكيين غاضبين لو أخبرناهم أنهم كانوا يأكلون لحم الكلاب عوض عن لحم البقر طيلة حياتهم. على الرغم من أنه لا يوجد شيء غير صحي بطبيعته حول لحوم الكلاب.

ما تعلمته أثناء تربيتك حول المثلية الجنسية سيؤثر على نظرتك تجاه المثلية على أنها شيء مقزز أو شيء عادي.

إذا كنت مثليًا (تملك جين المثلية) فإن البعض قد يختلف حول فكرة السبب الجيني وراء المثلية ولكن بمجرد نفورك من المثلية الجنسية، هذا يعني حتمًا أنك لم تتقبل بعد فكرة أنك مثلي. هذه الحجة مبنية على افتراض أن الميول الجنسية تتحدد بشكل كلي من قبل الجينات، ولذلك ليس هناك مجال للنقاش حول إمكانية وجود أسباب أخرى وراء المثلية.



المثلية الجنسية والدماغ

قد تؤثر بنية الدماغ على الميول الجنسية.

في عام 1991، أظهرت دراسة نشرت في مجلة ساينس العلمية أن ما تحت المهاد (الوِطاء)، الذي يتحكم في إفراز الهرمونات الجنسية من الغدة النخامية، يختلف في الرجال المثليين عن المهاد لدى الرجال المغايرين.
حيث تقول الدراسة أن النواة البينية الثالثة من المهاد الأمامي (INAH3) أكبر بمرتين من تلك الموجودة عند الرجال المغايرين (غير المثليين).

وقد انتُقدت هذه الدراسة لأنها استخدمت أنسجة المخ التي تم الحصول عليها في التشريح، ويعتقد أن جميع المثليين الذين تمت دراستهم قد ماتوا بسبب الإيدز.

أظهرت دراسة بعدها والتي أجريت في عام 2001، أن فيروس الإيدز ليس له تأثير كبير على النواة البينية الثالثة من المهاد الأمامي (INAH3). هذه الدراسة  التي استخدمت أيضا أنسجة المخ من التشريح، لم تكشف عن أي فرق كبير بين حجم (INAH3) في الرجال مثليي الجنس والرجال المغايرين. ومع ذلك، أظهرت أنه في الرجال المثليين، تكون العصبونات الموجودة في (INAH3) مكتظة بشكل وثيق أكثر من الرجال المغايرين.

وقد أظهرت دراساتان PET و MRI التي أجريتا في عام 2008 أن نصفين من الدماغ أعطوا نتيجة تشابه في الرجال المثليين والنساء المغايرين أكثر من الرجال المغايرين والنساء المثليات.
وقد كشفت أيضا أن الاتصالات العصبية في منطقة اللوزة الدماغية عند الرجال مثليي الجنس تتشابه مع الاتصالات العصبية لدى النساء المغايرات. وكذلك الأمر عند النساء المثليات والرجال المغايرين.

لدى اللوزة المخية (Amygdala) العديد من المستقبلات للهرمونات الجنسية وترتبط بمعالجة المشاعر.

وقد أظهرت بعض الدراسات أن الجسم الثفني (حزمة مسطحة واسعة من الألياف العصبية بيضاء اللون تحت القشرة في الشق الطولي للدماغ) لديه بنية مختلفة في الرجال المثليين أكثر من الرجال المغايرين.

من المرجح أن تكون النساء المثليات والمثليين جنسياً أعسر من النساء والرجال المغايرين، وفقاً لعدد من الدراسات المختلفة. وقد اقترح بعض الباحثين أن هذا الاختلاف في تفضيل اليد الواحدة على الأخرى يمكن ملاحظتها في الأجنة ويرتبط بالاختلافات الموجودة في الجسم الثفني.



التكون الجنيني للدماغ

في هذه المرحلة، تعمل ثلاث هرمونات في تحديد التكوين الجنسي للكائن ( التستوستيرون – البروجسترون – الاستروجين ). ويتم تحديد هذا التكوين انطالاقا من التفاوتات في النسب لهذ الهرمونات. إذا يأثر هذا التفاوت بشكل مباشر على التشكل العضوي والدماغي للجنين ويحدد توجهه الجنسي.

نعرف من دراسة الفئران أن التعرض لهذه الهرمونات في الرحم وخلال فترة معينة في نمو المخ يكون له تأثير على التوجه الجنسي في المستقبل. فمن خلال التلاعب بمستويات الهرمون خلال هذا الوقت، يمكن للعلماء أن يجعلوا الجرذان ينخرطون في السلوك المثلي بعد ولادتهم.

وبالتالي فالدماغ يمكنه التأثير عن الميولات الجنسية قبل أن تولد حتى.

يعني بكلمات أخرى أن الأشخاص المثليين يولدون مثليين، ولهذا غالبا ما نجدهم يشعرون بأنهم كانوا دائما مثليين. (أي قبل أن يدرسوا عن المثلية)

وعلى الرغم من ذلك، لا يتوقف تطور الدماغ عند الولادة.

إذ يحدث قدر كبير من نمو الدماغ أثناء الطفولة، عندما تتعلم الكثير من الأشياء الجديدة ـ بما في ذلك ما تعتقد عائلتك ومحيطك بأنه الشيء الصحيح الذي عليك أن تشعر به أو أن هذا السلوك خاطئ وآخر صحيح.

يؤثر التعليم أيضا، الذي تتلقاه كطفل بقوة على كيفية تطور دماغك أثناء نموك. على سبيل المثال، تتأثر المناطق المرتبطة بالسمع عند الأطفال اللذين يحصلون على خبرة في التدريب الموسيقي.

وبالتالي يمكن للدماغ أن يتغير مع التجارب الصحيحة حتى بعد بلوغك سن الرشد.

لكن هل هذا يعني أننا نستطيع القيام بعمليات جراحية عن الدماغ لمنع المثلية الجنسية ؟

في الحقيقة لا، حتى الآن لم تنجح محاولات (علاج) المثلية الجنسية عن طريق العلاج الهرموني أو إجراء عمليات جراحية على الدماغ ـ حيث كانت قد أجريت من قبل عمليات لكنها لم تنجح.

اليوم، ومع ذلك، نحن نعرف الكثير عن الدماغ أكثر مما كنا نعرف عندما اعتبرنا المثلية مرضًا يتطلب العلاج، ومقدار المعرفة التي لدينا عن الدماغ في ازدياد مستمر.

اذن وبخلاصة، فلا يمكن للشخص أن يختار تغيير توجهه الجنسي من مثلي إلى مغاير أو من مغاير إلى مثلي، لأن هذا الأمر يعود لطبيعة الجينات والهرمونات وبنية الدماغ … ولا يمكننا اعتباره شذوذ أو خارج عن المألوف أو مرض نفسي، جسدي، عقلي كما أوضحنا في بداية المقال.


المصادر:

المصدر 1
المصدر 2
المصدر 3
المصدر 4
المصدر 5
المصدر 6


Avatar for فكر حر

كُتب بواسطة فكر حر

التعليقات

اترك تعليقاً

Avatar for فكر حر

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Loading…

0